بوتين والرئاسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرون في هذا العالم يعتقدون أنهم يعرفون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأغلب هؤلاء ترتبط قناعتهم بمعرفة الرئيس الروسي، بمعرفتهم بأنفسهم، أو معرفتهم بمن يعرفون من قادة العالم.

ولكن..

هؤلاء وغيرهم الكثيرون مخطئون؛ الرئيس الروسي لا يشبه أي رئيس أوروبي. لأن أوروبا لم يعد فيها رؤساء، يؤدون دور القيادة في جسم النظام الدولي، الذي تديره باقتدار الولايات المتحدة.

قبل الحديث عن الرئيس الروسي يجب القول إن الرئاسة وقيادة الدول باتت مهنة مفقودة في الغرب، وهي اليوم موجودة في آسيا وأفريقيا وبعض أمريكيا اللاتينية. والمعنى، أن السياسة تحولت إلى وظيفة في العالم الذي يعتقد نفسه طليعياً وأساسياً وقائداً للحضارة الإنسانية.

أما عن الرئيس الروسي، فهو في أول شيء يجب أن يعرف عنه هو أنه من ذلك النوع من الزعماء الذين لا يقودون بلادهم بالشعارات والخطابات، ولكن بالملفات. وبالمعنى المباشر هو ذلك الرجل الذي لا يستقبل أحداً ولا يزور أحداً إلا بعد أن يقرأ الملفات عن العلاقات الثنائية وأفقها، وما تحتاجه بلاده من ذلك اللقاء، أو ما تتوخى تجنبه.

الصفات الأخرى، التي يحتاج «الزعماء» الأوروبيون معرفتها عن الرئيس الروسي، هو أنه رجل مالك قراره، مستند إلى مؤسسات تدعمه، وهو بالتالي لا يمزح، ولا يقول كلمة هباء.

وهو، أيضاً، جاد للغاية، ومفوض، ويملك إرادة اتخاذ قرار بالحرب. حتى لو كانت هذه الحرب نووية.

الأمر الآخر، يتمثل بأنه رجل ربط مصيره بمصير بلده، وليست لديه أمنيات خارج هذه المعادلة، ولا تذهب نفسه إلى مكاسب جانبية.

إنه أسهل الرجال الذين يمكن أن يتفاوض معهم المرء، ولكنه أسوأ الأعداء الذين يمكن أن يواجههم الإنسان. ففيه خصلة روسية قديمة؛ رد التحية بأحسن منها، ورد طعنة السيف بأعمق منها!

وهنا، تجدر الإشارة إلى أننا، عرباً ومن كافة أبناء العالم الثالث، نفهم السيد بوتين جيداً. وما يشجعنا أنه هو نفسه يفهمنا جيداً، ولا يفتقر إلى المعرفة اللازمة ليدرك أننا تضررنا من النظام الدولي القائم، ونحتاج للتحرر منه.

وفي هذه الأيام يجري استفتاء بالأراضي الروسية القديمة، يدور حول انضمامها إلى روسيا الاتحادية، وهو ما أثار حديثاً حول استخدام النووي، وجعل من هذا الاحتمال موضوعاً للقلق والتفكير، ووضع سؤالاً كبيراً مفاده: هل يمكن أن يلجأ الرئيس الروسي لهذا الخيار؟

في الواقع هو أعقل من أن يذهب إلى ذلك، وخصومه الغربيون أضعف من أن يتقبلوا هذا الاحتمال أو يتعايشوا معه. وهم يعرفون معادلة خصمهم النهائية، التي مركزها: «ما نفع عالم ليست روسيا موجودة فيه».

وفي الواقع، ليست مشكلة الغرب مع روسيا تدافع عن نفسها أو مصالحها، ولكن مشكلة الغرب مع روسيا التي تجد مصلحة في نظام دولي جديد، وترى أن معادلة الحجوم والأوزان الدولية لا يجب أن تبقى أسيرة المعادلات النووية، فهناك دول تطعم العالم، وهناك غيرها تمد العالم بالطاقة، ودول ثالثة تغني العالم بالصناعة، ودول رابعة هي مهد العلم والثقافة.

وما يمكن قوله هنا، هو أن الرئيس الروسي حينما يحمي الاستفتاءات في بلاده بالنووي، إنما يحمي المسار السلمي لتقدم العالم، والتحول إلى عالم يقدر الحجوم والأوزان الدولية الحقيقية، ويخرج من المعادلات الاستعمارية.

* كاتب أردني

Email