نوايا إصلاح «مجلس الأمن»

ت + ت - الحجم الطبيعي

مر العالم خلال قرابة ثمانية عقود بالعديد من الأزمات والصراعات الدولية. خلال هذه الفترة نجحت منظمة الأمم المتحدة، ممثلة في جهازها القوي مجلس الأمن الدولي - المكون من (5) أعضاء دائمين لديهم حق النقض «الفيتو» و(10) غير دائمين يتغيرون كل عامين - في منع العالم من الدخول في حرب كونية ثالثة، ما جعلها بمثابة أحد أركان «الحل والعقد» في العالم المضطرب دائماً.

أُعيد الأسبوع الماضي طرح القضية «القديمة الجديدة» لهذه المنظمة الدولية وغيرها من المنظمات الإقليمية الدولية هي الإصلاح بما يتناسب مع المتغيرات الجديدة الحاصلة في مكانة ووضعية الأعضاء.

كان ذلك خلال افتتاح الدورة الـ77 من أعمال الأمم المتحدة، لكن هذه المرة من أحد أعضائها الخمسة الدائمين وأكثرهم تأثيراً في قرارات مجلس الأمن من حيث الحصة المالية التي تقدمها للمنظمة الأممية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، ما أعطى الأمر شيئاً من الجدية والحماسة الإعلامية كون أن نداءات الإصلاح السابقة والتي مضمونها توسعة أعداد الأعضاء دائمي العضوية كانت تطرح من الدول غير الدائمين فيه.

فهل اقتنعت واشنطن بأهمية الإصلاح أم هو «تحايل» على منافسيها على النفوذ الدولي، روسيا والصين، اللتين تعرقلان المشاريع الاستراتيجية العالمية لها. الحالة الدولية بينهما تقول إن الهدف هو تعزيز الموقف الأمريكي عالمياً، فالسياسات الدولية لا تعترف بالنوايا أو الأهداف الواضحة فقط.

نوايا إصلاح عمل المنظمات في العالم بما فيها الإقليمية، أغلبه «كلام مناسبات»، بمعنى أنه خطاب يَصْعَد مع الحدث ويأخذ أبعاداً واسعة، وسريعاً ما يتراجع وفق الحالة المزاجية الموجودة في العالم، فالطرح الأمريكي الحالي قد يستمر لفترة ولكنه ليس رغبة حقيقية وفق الخبرة التاريخية.

ووفق الطرح الأمريكي، هناك تحديان اثنان أمامه، الأول: أن المستفيدين من الوضع القائم دولياً سيقاومون الإصلاح، وهذا التحدي ينطبق على كل عمليات التغيير في الحياة الإنسانية والسياسية إلا في حالة انقسام المستفيدين من الوضع، فهنا يبدأ الحديث عن الإصلاح والتغيير باعتبارها رغبة الجميع.

التحدي الثاني: أن وقت الطرح لا يتناسب و«اللحظة» الدولية، حيث إن تأييد الطرح الجديد وكأنه تعبير عن موقف منحاز للموقف الأمريكي مع أنه مطلب قديم لدى الدول الأخرى مثل: اليابان، والهند وتركيا والبرازيل وحتى جنوب أفريقيا.

الدعوة الأمريكية هي بمثابة «السباحة ضد التيار» في مجلس الأمن الدولي، لأنه يعني عملياً التفريط في سلطة دولية وظفتها في خدمة سياستها العالمية، إلا إذا كانت تمارس «حرباً ناعمة» ضد منافسيها في النفوذ الدولي، الصين وروسيا، بعدما بدا لها أن الأمر يحتاج منها استخدام كافة الوسائل التقليدية التي كانت تستخدمها في السابق لمواجهتهم، والتي كانت أحدها تنشيط «حلف الناتو»، وزيادة أعداد الدول المنضمة إليه، وكذلك محاولة تفعيل العلاقات مع الحلفاء الاستراتيجيين في الشرق الأوسط، فالعلاقات الدولية طبيعتها تقوم على «تربيط الشراكات».

للأسف، أن طروحات إصلاح منظمة الأمم المتحدة فقدت مصداقيتها، وربما حماسها أيضاً، لأنها كانت توجه نتيجة واحدة: الصد والرفض من قبل الدول المتنفذة فيه. ومع أن الدعوة قادمة من أكبر دولة في العالم، إلا أنه يمكن توقع ردة فعل الدول الأخرى. فالثقة في «نوايا الإصلاح» الأممي باتت مهتزة، وربما تزداد حالياً من منطلق أن عالمنا يعيش أياماً صعبة من الغليان السياسي والقلق من تطورات قد تهدد استقراره.

كل الدول الكبرى تحاول تغييراً في «حالة العالم» ليكون في مصلحتها، وهذا طبيعي وفق التفكير المصلحي أو البراغماتي. وطبيعي أيضاً، أن هدف كل طرف دولي، ليس التعاون مع الجميع بقدر إثبات أن الطرف الآخر هو من يهدد الاستقرار العالمي. يبقى هناك طرف ثالث هو من يقوم بحالة من التوازن بين المتنافسين ويجتهد من أجل عدم سير العالم نحو حافة الهاوية.

 

Email