الأسرة وتد المجتمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرتكز المجتمع بشكل أساسي على الأسرة في التنشئة الاجتماعية للفرد رغم اختلاف حجمها ووظائفها منذ القدم حتى الآن، ففي الأزمنة السابقة كانت العشائر تمثل أسرة في بعض البلدان ولا يشترط أن يكون بين أفراد الأسرة روابط دم بل هي الروابط المجتمعية الخاصة بهم التي تحثهم على التكاتف والعمل والمحافظة على سلامة الأفراد والبيئة التي ينتمون إليها ولذلك استطاعت الكثير من البلدان أن تحافظ على موروثها وحضارتها مع حرصها على مواكبة التطور المستمر في شتى المجالات التي تسهم في تقدم المجتمع وريادته.

كثير من المجتمعات احتوت على أنماط من الأسر يعود اختلافها إلى العديد من المبررات منها العادات والتقاليد، والثقافة، والتطور المتواصل على مدى العصور ولكن يبقى الفرد محط الاهتمام دائماً كونه جزءاً من تكوين تلك المبررات ولأنه فرد تتكون منه الأسرة سواء كان أباً أو أماً أو ابناً أو أخاً أو جداً، وحينما يذكر هذا الفرد أحد أسباب استقراره في المجتمع فإنه يتحدث عن المنزل لاحتوائه على مصادر تلبية احتياجه من أكل وشرب ونوم وعلاقات أسرية والأهم من ذلك للمجتمع أنه المكان الأول للتنشئة الاجتماعية التي تغرس التربية والقيم في الفرد وتسهم في تشكيل الطابع الاجتماعي للمجتمع من أسلوب حياة وهوية وثقافة.

قدرة الأسرة على التماسك والتنشئة المتينة تمنح المجتمع قوةً واستمراراً، فمن منزل تلك الأسرة يخرج الطبيب لتأدية واجبه وتذهب المعلمة لتعليم الأجيال ويبدع الطالب في البحوث والدراسات وبهذا تخدم الأسرة مجتمعها، وأيضاً في منزل تلك الأسرة، لا يريد الجد أن يندثر ما نشأ عليه من عادات وتعاليم تؤصل هويته وعقيدته، ولا يريد الأب أن تتلاشى تنشئته في زمن الطيبين، ولا يريد الابن أن ينشأ على أفكار لا ترقى بالتطور والتكنولوجيا.

في قطيعة الأخ لأخته يتحقق تنبؤ الجد بانحراف عن التنشئة الحسنة في العقيدة والأخلاق، وفي ابتعاد الأبناء عن الأب يتحقق تنبؤ الأب بحدوث تباعد فكري بين زمنين مختلفين، وفي انشغال الابنة بمتابعة يوميات بعض مشاهير التواصل الاجتماعي يتحقق تنبؤ الابن بضياع وقت هذا الجيل على سلبيات التطور التكنولوجي.

من الطبيعي أن يتطور جيل عن الآخر، وإن لم يكن طريق التنشئة في الأسرة واحداً، ربما يتخذ كل جيل طريقاً منفصلاً عن الآخر، تباعد أفراد الأسرة يفقدها صلابتها وعدم ارتكازها في التنشئة على العقيدة السامية والأخلاق السوية وتقبل اختلاف الفكر قد يضعفها، وإن اختلت الأسرة اختلت أهم ركائز المجتمع.

 

Email