لنتعلم فنون الرد بالهدوء

ت + ت - الحجم الطبيعي

نواجه في حياتنا الكثير من المواقف التي تؤلمنا نفسياً، ولعل منها سماعنا كلمات من البعض تأتي كالعاصفة المفاجئة فتلجمنا وتدعونا إلى لزوم الصمت، فلا نقوى على التوضيح أو حتى مجرد الرد العابر. 

أكاد أجزم أن معظمنا قد مر بمثل هذه الحالة، عندما يفاجئك شخص ما بكلمات جارحة دون سبب، والمعضلة أن مثل هذه المواقف لا تحدث إلا أمام آخرين. فيكون صمتك بمثابة إقرار وموافقة على كلماته، أو أن يأتي ردك ضعيفاً ولا يتناسب مع ما تلفظ به ضدك، قد يفهم البعض أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وخاصة في مثل هذه المواقف، لكن لنعطِ مثالاً لشخص وجه لك كلمات غير لائقة، لا يمكنك الهبوط لمستواه للرد عليه، وغني عن القول أن هناك مواقف يكون الصمت فيها حكمة.

 وكما يقال: الصمت لغة، وقد تكون لغة بليغة، لكن إذا أردت أن توجه رسالة تأديبية لذلك الشخص الذي تفوه بكلمات لا تنم عن أدب واحترام، فإن هذا يتطلب منك سرعة البديهة والهدوء وأيضاً اختيار الكلمات حسب الموقف والموضوع، وسأضرب مثالاً بقصة تروى عن المؤلف والكاتب الشهير جورج برنارد شو، الذي حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1925، حيث قال له كاتب مغمور في بداية مسيرته في مجال التأليف: أنا أفضل منك، فأنت تكتب وتبحث عن المال، وأنا أكتب عن الشرف، فقال له برنارد شو: صحيح كل منا يبحث عما ينقصه. 

هذا الرد جاء ليوجه عدة رسائل ومنها أهمية الاحترام، وأيضاً عدم التعالي وتصنيف الآخرين والنظر لهم بدونية، وكتب التاريخ والتراث محملة بالعديد من القصص التي تروى عن ردود لفلاسفة وكتاب وغيرهم، كانت كلماتهم في غاية الإيجاز والمباشرة والقوة، فمن التراث العربي، تروى قصة عن الشاعر بشار بن برد، وقد كان كفيفاً، أنه بينما كان جالساً مع رفاقه، جاءه رجل وسأله قائلاً: ما أعمى الله رجلاً إلا عوضه. 

فما الذي عوضك به الله؟ فقال له بشار بن برد: ألّا أرى أمثالك. وفي هذا الرد تأديب لهذا الرجل بألّا يحاول مرة أخرى أن يؤذي الآخرين بذكر ما يعتقد أنه نقص فيهم، والأمثلة والقصص في هذا الجانب عديدة ومتنوعة، وتبقى قدرة الحكم على الموقف ومن ثم القرار بالرد أو بالصمت، هي التحدي الحقيقي، ففي أحيان يكون الصمت الخيار المناسب، وفي أحيان يكون الرد غير مبرر بل يتسبب في فقد الأصدقاء، أو في زيادة لسوء الفهم، فالهدوء وعدم الانفعال والتخلص من العصبية وعدم تحميل الموضوع أكبر مما يحتمل أولى الخطوات التي تمكننا من سرعة البديهة ومن ثم الرد المناسب على الموقف بشكل راقٍ ومقنع.

Email