كم نحتاج ليصوم البعض عن الكلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى لا يستغرب البعض من هذه الدعوة أقول إن الصوم عن الكلام، عادة معروفة منذ القدم، بل وأشادت الحضارات القديمة بفضيلة الصمت ودعت له ويقال إن الفرعون في حضارة مصر القديمة، كان يقرب كل شخص من جلسائه عرف عنه الصمت، بل وكانوا يسمون الشخص الصامت بالحكيم، وعموماً الصامتون هم من كانوا ينجون من غضب الفرعون ومن سفك الدماء عندما تسيل. بل هناك حضارات أخرى قديمة اهتمت بالصمت، من حضارات شبه القارة الهندية والصينية، بل إن اليوغا، والتي يعتبرها البعض رياضة والبعض يعتبرها طقوساً روحية، تقوم على الصيام عن الكلام والسكون، والبعض وصفها بأنها علاج.

وبالمثل كان للصمت في الحضارة العربية منزلة عظيمة، وقيلت أمثال وحكم كثيرة تصف الامتناع عن الكلام بالحكمة لعل من أشهرها المثل العربي الذي يقول: إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب، وهناك أمثلة أخرى مثل «عثرة القدم أسلم من عثرة اللسان».

لكن في العصر الحديث ظهرت دراسات وبحوث علمية تصف الصمت بأنه قد يكون علاجاً في أحيان كثيرة، منها الدراسة التي أعلنها الدكتور جون كلارك أستاذ علم النفس بجامعة بافلو الأمريكية وتحدثت عن أهمية وفوائد الصيام عن الكلام لمن يعاني التشتت الذهني، وعدم الاستقرار النفسي، والقلق والحيرة والتوتر. وعموماً الذي نريد الوصول له، أن كل شخص يكثر من الثرثرة فيشتم هذا ويتعارك مع ذاك، وينقل الكلام، ويسبب مشاكل بين الأصدقاء والزملاء فعليه أن يقرر الصوم عن الكلام، ويعود نفسه ويدربها على الصمت.

الصمت نعمة لمن يقدره ويدرك فائدته وأثره، وهذا صحيح لأننا في أحيان نلوذ بالصمت، كتعبير عن حالة العجز في الرد، وفي أحيان لأنك لا تستطيع الهبوط لنفس الدرجة الأخلاقية التي وصلها الآخر، فلا تجد إلا الصمت التام ليعبر عن حالة الفجيعة التي تلبستك والذهول الذي أحاط بك، وبالفعل ففي أحيان يكون صمتك حكمة ورداً بليغاً، فلنتعلم لغة الصمت، ولنمارسها في حياتنا، ولتصبح لغتنا مع من يرمون الكلام ولا يعرفون متى يصمتون.

Email