حديث القاهرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حالة حراك غير مسبوقة تشهدها مصر هذه الأيام حول مبادرة الحوار الوطني، التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، مصر تتغير، هناك إرادة قوية للتأكيد على وحدة المصريين، في مواجهة كل التحديات الجديدة أو المستجدة، وإعادة بناء التماسك الداخلي بين جميع القوى السياسية والشبابية. ملفات المستقبل مطروحة على طاولة النقاش والحوار.

نحن إزاء جمهورية جديدة معنى ومبنى، استطاعت أن تحارب في مسرحين معاً: مسرح الحرب الشاملة على الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله، ثم مسرح البناء العملاق والإعمار الخالد، غير المسبوقين في العصور الحديثة، لتستأنف بهما ما تركته أو أهملته خلال قرن كامل، لأسباب داخلية أو خارجية، أو نتيجة لتقاعس فكرى، وتمزق هويات متنافرة في مركز النخبة.

لا نجافي المنطق والتاريخ، إذا قلنا إن سجلات التاريخ تحتفظ لمصر والمصريين بالملكية الفكرية للمبادرات الخلاقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت مبادرة توحيد القطرين (الصعيد والدلتا) قبل خمسة آلاف عام على يد الملك مينا، وارتداؤه التاجين الأبيض للصعيد والأحمر للدلتا على رأسه، كتاج واحد لراية واحدة، مبادرة سباقة لكل الدنيا، في تكوين ونشأة الدول، وأسس الحكم الرشيد، وكانت وحدة طبيعية رضائية بين أبناء أمة واحدة، وبهذا المعنى جاءت مصر، ثم جاء التاريخ، وحفظ هذا التاريخ لنا كثيراً من المواقف السباقة للعقل المصري الجامع، سيما في القرنين الماضيين، وتكوين الدولة الحديثة منذ محمد علي باشا إلى الآن، ولعل تحديث مصر، وتخليصها من الجهل والفقر وإرسال البعثات، يؤكد منحى العقل الاستباقي، ولنا في مبادرتي الحرب والسلام، كمبادرتين مصريتين خالصتين فاجأتا العالم كله. جاءتا دليلاً على ذلك العقل المبادر.

كانت 30 يونيو مبادرة جماعية عظمى، توجت بأن جعلت مصر تستطيع أن تجلس بعد سنوات مع أبنائها من كل الأطراف تناقش، تحاور، وتفكر في أفضل السبل التي يجب أن يكون عليها المجتمع المصري، كما تفكر في المسرح الدولي الأوسع وتسأل:أين سيكون مكاننا في عصر دولي قادم لا ريب فيه.

ومن خلال التأمل الدقيق لردود الأفعال الوطنية المرحبة والمشجعة، منذ إطلاق الرئيس السيسي لهذه المبادرة الفارقة، فإنني أرى في هذا الحوار الوطني لحظة فاصلة في بناء الجمهورية الجديدة، التي نبنيها بأفكارنا وسواعدنا الخالصة.

من يدقق في دعوة الرئيس للحوار يرى، ومن الوهلة الأولى، أن يد الدولة ممدودة للجميع من مختلف الأطياف والتوجهات السياسية في ظل الدستور والقانون، ولهذا يأتي الحوار الوطني بمثابة إصلاح سياسي متكامل.

تعد دعوة الرئيس للحوار الوطني بمثابة نقلة مهمة، وتدشيناً لمرحلة جديدة في المسار العام للدولة المصرية، من أجل رفعة وتقدم واستقرار الوطن، وخطوة على طريق الإصلاح السياسي، تساعد في تحديد أولويات العمل الوطني، وتدشن لجمهورية جديدة تقبل بالجميع، ولا يمكن فيها أن يُفسد الخلاف في الرأي للوطن قضية.

ما يستحق التوقف أمامه أن مبادرة الرئيس السيسي، جاءت نتيجة إرادة وطنية حقيقية،، لذلك رحبت الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني بالقرارات التي أعلنها الرئيس، فيما يخص الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والسياسية، التي من شأنها دفع مسيرة الوطن الغالي خطوات واسعة نحو مستقبل أفضل لكل فئات شعبه الكريم.

اللافت أيضاً أن مبادرة الحوار الوطني جاءت في التوقيت المناسب، إذ إنه منذ أن تولى الرئيس قيادة الدولة، في النصف الثاني من عام 2014، كانت هناك التزامات أمنية خطيرة على الدولة المصرية، في ظل انتشار الإرهاب والعمليات الإرهابية في المنطقة، ونجحت جهود الرئيس في درء هذا الخطر،الذي شكل أولوية كبيرة منذ عام 2014، لذا فإن تثبيت أركان الدولة المصرية كان يجب أن يسبق أي حوار وطني. لكن بعد نجاح الدولة المصرية في إنجاز الكثير من المشروعات الكبيرة في مجالات عديدة، جاء الوقت لإجراء حوار وطني موسع، يشمل جميع فئات الشعب المصري من أحزاب وقوى سياسية ومؤسسات ونقابات وغيرها. فما نراه اليوم على ساحة الحوار الوطني بات حديث القاهرة.

 

Email