العُقدة الليبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل المؤشرات تقول، إن الأوضاع الليبية، تدخل في دائرة التعقيد. النتائج على الأرض، تأتي عكس المقدمات، والجهود والأفكار والمؤتمرات التي صاحبت الأزمة طوال العقد الماضي.

لاحت آمال عريضة في حلحلة القضية، عبر مسارات عدة وطويلة، شهدناها في برلين 1، وبرلين 2، ومؤتمر باريس الدولي، ومن قبلها مؤتمرات باليرمو، فضلاً عن خريطة الطريق التي وضعتها القاهرة في يونيو 2020، وكانت تهدف إلى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، كل هذه الشواهد شكلت رافعة سياسية كبيرة لدى النخب والشعب الليبي، بل المجتمع الدولي والعربي، في الوصول إلى حل، لكن ثمة رياحاً وعواصف سياسية وأمنية، حالت دون الوصول إلى المحطة النهائية والحل السياسي الشامل، وفشلت محاولات إتمام الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية، الأمر الذي زاد من ظلامية المشهد، وتكريس الانقسام السياسي، الذي تمثل في مجموعة من المشاهد تأتي في مقدمتها:

العودة إلى وجود حكومتين، متنافستين ومتصارعتين على كل شيء، بداية من توزيع المناصب، والموارد والمكاسب، وصولاً إلى الاتهامات بالتخوين والعمالة للخارج، وهو ما انعكس بصورة سلبية على الشارع الليبي، الذي بات يعاني عدم توافر الخدمات والضرورات الحياتية والأمنية.

 

أما المشهد الثاني، فيتعلق بالانفلات الأمني، وتعاظم دور الميليشيات وتجار الحرب، وهذا ما نراه واضحاً في طرابلس، إذ شهدت الأيام والأسابيع الماضية، تغولاً غير مسبوق من جانب الميليشيات والمرتزقة على المؤسسات الحكومية، وموظفي الدولة، مما أصاب حركة العمل بشلل كبير، بل أدى إلى غياب دور مؤسسات الدولة عن الكثير من المناطق والمدن الليبية.

يأتي المشهد الثالث كنتيجة حتمية للمشهدين السابقين، إذ تلمسه في عودة الإرهاب، خصوصاً من جانب تنظيم داعش الذي بدأ يتوسع في منطقة الغرب الليبي، وهذا ما أكده تقرير الأمم المتحدة الصادر في أبريل الماضي، الذي حذر من أن نشاط داعش، تضاعف في ليبيا أربعة أضعاف نشاطه السابق، وزاد من تواصله وامتداده مع الجماعات والتنظيمات الأخرى، في وسط وغرب أفريقيا.

 

كما يتمثل المشهد الرابع في معاناة الجنوب الليبي من انتشار المجموعات الإجرامية والإرهابية، وتجار البشر والهجرة غير المشروعة، الأمر الذي حول منطقة الجنوب إلى صداع سياسي مزمن، ليس فقط للشعب الليبي، بل يمتد إلى دول الجوار والدول الأوروبية، فعلى سبيل المثال أصبحت هذه المساحة مأوى لجميع أنواع المعارضة المسلحة، من تشاد والنيجر ومالي وغيرها، فضلاً عن أن هذه المنطقة باتت هي المعبر الإلزامي لكل موجات الهجرة غير المشروعة من جنوب الصحراء الكبرى إلى البحر الأبيض المتوسط.

 

يأتي المشهد الخامس، ليكشف عن عدم يقين المجتمع الدولي، وتراجع ثقته في الوصول إلى حلول واقعية وتسوية شاملة، ولعل ما يؤكد ذلك هو، استقالة ستيفان وليم، مستشار الأمين العام للأمم المتحدة من منصبها، برغم أنها كانت توصف بأنجح الدبلوماسيين الذين عملوا على الملف الليبي، كل هذه المؤشرات تدفعنا إلى مزيد من القلق والحذر حول مستقبل الأوضاع الليبية، التي تزداد سوءاً يوماً بعد الآخر، وهذا ما يتطلب من جميع الأطراف القيام بمجموعة من الخطوات تتمثل في ضرورة تجاوز الخلافات حول الملفات الرئيسية الثلاثة، وهي: مقترح تشكيل حكومة مصغرة تتولى الإشراف على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وحسم الموقف حول المناصب السيادية السبعة، والجدية نحو توحيد المؤسسات المنقسمة بين طرفي الأزمة، أيضاً سرعة التوافق على تسمية المبعوث الأممي الجديد لدى ليبيا، حتى يقوم بقيادة وتنسيق الجهود الدولية والعربية من أجل الدفع نحو الخطوات المقبلة، هذا بالإضافة إلى أهمية التوافق على إخراج ملف الموارد المتعلقة بالنفط والغاز من دائرة التجاذبات السياسية، لما يمثله من أهمية وجودية للمواطن والاقتصاد الليبي، لاسيما أن النفط والغاز يشكلان 90% من مصادر الميزانية الليبية.

وسط كل هذه المؤشرات والمتطلبات، نجد أنفسنا أمام أزمة تبدأ وتنتهي عند أطراف النخبة السياسية الليبية، وعلينا إدراك أن إطالة أمد الأزمة، ستلقي القضية برمتها إلى المجهول.

 

Email