البحث عن نظام جديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتردد على نحو متزايد في الفترة الأخيرة الحديث عن نظام دولي جديد، غير أن الحديث عن ذلك لا يذهب أكثر من الإشارة إلى أن قوى عالمية ستشارك الولايات المتحدة نفوذها الدولي، وتتربع إلى جوارها على عرش القوة السياسية والاقتصادية. ويجري الحديث هنا، بالعادة، عن روسيا والصين.

وفي الواقع، بات ملموساً ومعروفاً منذ وقت طويل أن الصين عملاق اقتصادي وعسكري، لا يزال يعيش حالة تنام وتوسع متزايدة. وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا الحاضرة في ميدان التنافس العسكري، وظهرت أهميتها الاقتصادية، مع نشوء أزمة الغذاء والطاقة في أوروبا والعالم.

وزيادة على ذلك، فإن روسيا والصين منذ عقود طويلة وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، وتملكان حق النقض «الفيتو»، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بل وتشاركهم في ذلك كل من بريطانيا وفرنسا.

إذن، ما الجديد الذي سيحدث إن دخل العالم فعلاً في نظام دولي جديد؟

في الواقع، إن ما يغيب عن الذهن دائماً هو أن النظام العالمي له مؤسسات دولية وأممية تعنى بشتى المجالات السياسية والاقتصادية والمالية وغيرها من الشؤون الدولية، وكل ما يتعلق بنشاط البشرية في الزراعة والأمن والعلم والتعليم والأوضاع الاجتماعية. وتكفي هنا الإشارة إلى مؤسسات دولية مثل «الأمم المتحدة» و«اليونسكو» و«الفاو» والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والانتربول وغيرها الكثير..

هذا بالطبع إلى جانب ما يمكن أن نسميه بمعادلات الأحجام والأوزان السياسية والاقتصادية والعسكرية والصناعية، التي تمتلك فروضها ومقتضياتها، فتحدد مواقع الدول والأمم في أي نظام عالمي، ومقدار تأثيرها عليه.

وبنظرة سريعة، يمكن القول إن الحديث عن نظام دولي جديد يعني، من حيث المبدأ، إعادة النظر بكل المؤسسات الدولية، وأدوارها، وطبيعة أدائها، وإدخال شركاء نافذين جدد إلى هياكلها، بحيث تتعذر السيطرة الأحادية على هذه المؤسسات، فلا تعود منفذة لسياسات دولة بعينها، أو أسيرة مصالح قوى محددة.

هل هذا ممكن...؟

يصعب التكهن بهذا الأمر إن نظرنا إليه من هذه الزاوية. كما يصعب كذلك تخيل المتغيرات الجوهرية الشاملة التي ستحدث على وجه هذه البسيطة إن عقدت البشرية عزمها فعلاً على ذلك. ومن الواضح، هنا، إن مؤسسات دولية كثيرة تقوم بأدوار كبيرة لن تعود موضع ثقة، وستفقد الكثير من سلطاتها، وهو ما سيتسبب بزلزال عالمي على المستويات كافة..

ومن جانب آخر، لا بد من الإشارة إلى أن الحديث عن النظام الدولي الجديد هو بالضرورة حديث عن الهيمنة العالمية، التي تتمتع بها الولايات المتحدة على وجه الخصوص، حيث يرى الكثيرون أن هذه الهيمنة لها أدواتها الحاسمة. ومن أهمها المؤسسات الدولية، التي لا يمكنها أن تعاكس التوجهات الأمريكية.

وإن كان الأمر كذلك فعلاً، هل يمكن أن تسمح الولايات المتحدة بالانتقال إلى نظام عالمي جديد، يمثل تحطيماً لهيمنتها ونفوذها..؟ وهل يمكن أن تبلغ الولايات المتحدة حالة من الضعف تعجز معها عن حماية النظام الدولي الحالي الذي يحفظ لها الهيمنة والنفوذ..؟! أم أن المصالح الدولية الموزعة على الخريطة العالمية يمكن لها أن تجتمع على ضرورة إنشاء نظام عالمي جديد، وتتمكن من فرضه..؟!

مهما يكن من أمر، فإن الظاهر الذي تبينه الأحداث الدولية، والأزمات العالمية، هو أن النظام العالمي الحالي بكل مؤسساته، متآكل، ويكتسب مزيداً من الناقمين عليه، حتى بين الدول والمجتمعات التي كانت تعتبر مستفيدة منه. وهذا يضفي مزيداً من الوجاهة على محاولات تغييره أو تعديله. أو إصلاحه على أقل تقدير.

Email