رسائل الدستور التونسي الجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الشعب التونسي كلمته حول الدستور الجديد، صناديق الاقتراع كتبت رسائلها في التوقيت المناسب، لا مكان لحركة النهضة، وفروعها، ومؤيديها، وداعميها.

تونس الحضارة والثقافة والانفتاح تصطف خلف دولتها الوطنية، سقط مشروع «الغنوشة» من قاموس قرطاج، تهاوى سقف العشرية السوداء، بات الأمل يسابق الزمن في تونس.

لو قرأنا المشاهد التونسية طوال الفترات الأخيرة، قطعاً، سنتوقف أمام عدة رسائل مهمة وفاصلة للدستور الجديد.

الرسالة الأولى، تتمثل في قدرة الشعب على الالتفاف حول مفهوم دولته الوطنية، وحماية أمنها القومي، وتحقيق أكبر قدر من التئام الجروح السياسية التي نجمت عن العشرية السوداء، التي بدأت مع ما يسمى بـ «الربيع العربي»، فليس خافياً على أحد، أن الشعب التونسي، يدرك جيداً حجم المخاطر التي كانت ستترتب على الفوضى والتخريب اللذين كان مخططاً لهما.

ومن ثم جاءت الكلمة واضحة في المشاركة ودعم المؤسسات التونسية في استكمال الاستحقاق الدستوري،الذي يشكل اللبنة الرئيسية لإعادة بناء الدولة الوطنية، وسط تحديات متلاحقة على مختلف الأصعدة.

تأتي الرسالة الثانية، لتؤكد فشل حركة النهضة، وروافدها، وتنظيمها الدولي، في التأثير على الشعب التونسي لمقاطعة الاستفتاء، الأمر الذي يكشف تآكل وزن وحضور هذه الجماعة والتنظيمات الإرهابية بين صفوف الشعب التونسي، وهو ما يعني أن فوز حركة النهضة في انتخابات السنوات العشر الأخيرة، كان ينطوي على أكاذيب وخداع أدركهما التونسيون هذه المرة.

أما الرسالة الثالثة، فتضعنا أمام مرحلة مفادها، أن المشروع الكبير المرتبط بحركة النهضة وتنظيمها الدولي، بات يلفظ أنفاسه الأخيرة، لا سيما أن تونس كانت تمثل له البيئة الحاضنة، التي من خلالها يحاول الاستيقاظ والتمدد من جديد.

لكن الدستور الجديد جاء بمثابة الضربة القاصمة لجغرافيا هذا المشروع، سواء في شمال إفريقيا، أم في المنطقة العربية، بل ربما تكون هذه الضربة قاصمة أيضاً، للتنظيم الدولي العابر للحدود في دول خارج منطقتنا العربية والشرق أوسطية.

الرسالة الرابعة تتعلق بالدول والجماعات الخارجية، التي راهنت على مشروع الفوضى والتخريب، وقدمت كل أنواع الدعم والتمويل والتدريب لإفشال مشروع الدولة التونسية الوطنية، فقد أصابتها الصدمة من نجاح الدولة في هذا الاستفتاء، وتأكد عدم قدرة هذه الدول والمجتمعات على تنفيذ مخططها في استعادة أجواء العشرية السوداء من جديد.

الرسالة الخامسة، تؤكد لنا قدرة الرئيس قيس سعيد، على تحدي كل الصعوبات والقوى المناهضة لاستقرار البلاد، فقد استطاع الرئيس التونسي تقدير موقف سياسي صحيح، تحكمه محددات الأمن القومي التونسي، والمصالح الإستراتيجية المستقبلية لتونس دون الاستسلام أو التفاوض أو التنازل أو المساومة على رؤيته لمستقبل تونس.

الرسالة السادسة، تقول بأن قدرة الدولة التونسية على إجراء الدستور الجديد، رسالة إلى المحيط العربي بنهاية المشروع الظلامي، وأن الشعوب العربية باتت على يقين أن هذا المشروع يناهض هويتها وثقافتها وحضارتها ورؤيتها المستقبلية، المتعلقة بإعادة وترسيخ مفهوم الدولة الوطنية.

وهنا لابد من التوقف أمام المعنى الكبير لفشل هذه التنظيمات الإرهابية في تونس، برغم تغلغلها في مفاصل الدولة والنسيج الاجتماعي لمدة عشر سنوات، الأمر الذي بات كاشفاً للجميع بأن أية محاولات ظلامية للقفز على مؤسسات الدولة مصيرها الفشل والانهيار الكامل.

وسط كل هذه المؤشرات الستة نستطيع القول: إن تونس قطعت أشواطاً كبيرة ومهمة نحو مراحل مستقبلية أكثر استقراراً، ونحو بناء دولة وطنية حديثة تلبي مطالب المواطن التونسي الذي حرم منها طوال عقد كامل، وما تم إنجازه ينبغي البناء عليه.

واستثماره جيداً على الصعيدين الداخلي والخارجي، للعبور بهذه الدولة إلى محصلة يكتب تفاصيلها وملامحها الشعب التونسي نفسه بعد أن عاش سنوات سوداء، كادت تهدد وجود وكيان الدولة التونسية لصالح مشروعات عابرة للحدود، هذا على المستوى الداخلي.

أما على المستوى الخارجي، خصوصاً على الصعيد العربي، فالمرحلة المقبلة تتطلب مزيداً من التعاون العربي - التونسي، بما يرسّخ التوجه الجديد الذي أسسه الدستور الجديد.

 

* رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»

 

Email