حتى الشر يتطور!

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما نزرع بذور الخير في قلوب أطفالنا ونحاول أن ننمي قيم التسامح والمساواة والعدالة في كافة أرجاء ومفاصل مجتمعاتنا، فإننا نقوم بفعل بديهي ومسلّم به. وفي ظني أن كل أسرة لو قدر لها وعملت على هذه القيم ورسختها لانتشر خلال أقل من عقد من الزمان جو من الألفة والمحبة قلّ مثيله، لكن الذي يحدث أن هناك عوامل أخرى تؤثر في مسار تربية الأطفال بل وتدخل حتى في تفاصيل حياتهم، فتقودهم إلى ما يعد بداية لانحراف عن الطريق القويم ويسبب خللاً في تربية الطفل، فإذا افترضنا أن الأسرة مستقرة وفي انسجام بين الأب والأم وتفاهم واتفاق على تربية أطفالهم، فإنهم قد يعانون من مؤسسات أخرى لا تقل أهمية ولها أثر في تكوين شخصية هذا الطفل، لعل منها المدرسة، حيث يبدأ فيها الطفل في النظر لمجتمعه ومن خلالها يبدأ في تكوين علاقات من الزملاء والأصدقاء، وفيها يتعلم القيم والحدود والتجاوزات، لكن ما الحال إذا كانت هذه البيئة سيئة حيث يكثر فيها المراهقون الذين لهم تأثير على عقلية وسلامة تفكير شاب كان في وسط أسرته يضرب به المثل من نواحٍ عدة مثل التعليم والأخلاق والطاعة والابتعاد عن المشاكل والسلوكيات السيئة؟!.

من هنا نفهم لماذا معظم علماء ودراسي العلوم الاجتماعية كانوا يتحدثون ويحثون على تعاون وتقوية كافة مؤسسات المجتمع من الأسرة إلى المدرسة وصولاً إلى مقار العمل من مصانع ومتاجر وهيئات وغيرها من مواقع الإنتاج والتجمع والتفاعل الإنساني المجتمعي، فهذه المواقع على مختلف مهامها وأدوارها بيئة خصبة يتم خلالها تناقل الهموم والآمال والتطلعات ودون أن نعلم نكتسب بعض من السلوكيات والأفكار حيث نتلقاها بشكل عفوي ودون اهتمام إلا أن العقل يضعها في العقل الباطن الذي سرعان من يستدعيها بعد فترة من الزمن لتشكل سلوكاً جديداً لنا.

ورغم أننا في مرحلة عمرية تجاوزنا فيها سن الطفولة والمراهقة، إلا أننا نتأثر بالغير وقد يكون هذا التأثير إيجابياً وقد يكون سلبياً، بطبيعة الحال الوضع أشد خطورة على النشء والمقبلين على الحياة؛ فخبراتهم أقل وتجاربهم شحيحة، وهم يصدقون كل ما يسمعونه من كلمات خاصة إذا كانت رنانة، لذا يسهل انحرافهم والخروج عن سياق تربية أسرتهم التي عرف عنها الأدب والاحترام. لذا كنا منذ الصغر نسمع الأهل وهم يحثون على اختيار الرفقة الصالحة من الصديقات والزميلات، لأن الصديق له تأثير سحري على صديقه، وقد يتقبل الابن من صديقه ما لا يتقبله من أقرب الناس له.

في هذا الزمن تزايدت التحديات التي تواجه التربويين والآباء والأمهات، فالمؤثرات التي يتعرض لها الأطفال أو من هم في سن المراهقة باتت أكثر ومتنوعة إلا أن خطورتها بالغة ونتائجها سيئة جداً، وكأنه يصح أن نقول إن الشر يتطور أيضاً مقابل ركود وعدم تطور في الطرق التربوية والتعليمية، فكثير من وسائل التقنية الحديثة ومنها الاتصالات وما رافقها من خدمات تصفح الانترنت وعرض مقاطع الأفلام، فضلاً عن الألعاب والثورة التي تحدث في صناعتها جميعها مؤثرات لا يخفى أثرها على التحصيل الدراسي فضلاً عن الأخلاقي. والمطلوب في هذا السياق مواجهة هذه التحديات لا بالمنع والزجر والرفض، إنما بصناعة موازية تبث القيم وتنشر الفضائل وتنمي الثقافة والمعرفة للأسر وللنشء، والموضوع كبير ويحتاج لورش عمل تخرج بتوصيات ونتائج وتحديد أهداف لمعالجة مثل هذه الظواهر حماية للأجيال الحالية والقادمة.

Email