تحية متأخرة إلى العلماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلماء منارة في كل مجتمع. ويمثلون جزءاً من النخبة الثقافية، وهم يمنحون الإمكانيات الخيالية للأدباء والفنانين، وهم سند للإعلاميين. وهم كذلك عقل المجتمع، ويمثلون طموحه وارتباط المجتمع بالمستقبل.

أما من هم العلماء فهم، في الغالب، متخصصون بالطب والصحة وإدارة مؤسساتها ومستقبلهما، وهم أيضاً خبراء في الإدارة والقانون والعمليات الاقتصادية والتعليم ومجالات الفيزياء والكيمياء وغير ذلك من المجالات التي تطور معرفة وإدراك البشر بأنفسهم ومجتمعهم ومستقبل حضارتهم.

وهم أيضاً الأكاديميون والمعلمون والمربون الذين، ربما، لا يكتبون كتباً، ولا ينجزون نظريات، ولكن يعلّمون ويدرّسون ويخرّجون تلاميذ مدارس وطلبة جامعيين ينتمون إلى مجتمعاتهم، ويقدمون إسهامات كبيرة تخدم منعة هذه المجتمعات وسلامتها وتقدمها ومستقبلها.

إنهم أولئك الذين يضطلعون بمهمة استئناف الحضارة، وإعداد الأفكار والإنجازات العلمية والفكرية والإبداعية والكوادر الإنسانية اللازمة لذلك.

ما سلف كان مجرد مقدمة بسيطة لاستذكار أن كثيراً من المجتمعات العربية، شهدت في الفترة الأخيرة، وتحديداً في العقد الأخير وأحداثه، التي أسماها الإعلام الغربي بـ«الربيع العربي»، اضطراباً كبيراً في التقاليد، والتغييرات غير حميدة منها تحول جزء كبير من النخبة العلمية في كثير من المجتمعات العربية إلى الانخراط بالسياسة.

وهذا ليس ممنوعاً، ولكن أعضاء النخبة العلمية يقدمون أجل الخدمات للإنسانية ومجتمعاتهم وللنخبة الثقافية ولزملائهم الإعلاميين من خلال تمسكهم بقيمتهم الأساسية: إنهم علماء، متخصصون، وأكاديميون ومعلمون ومربّون..

هذا التحول غير الحميد حصل بتأثير من بروز أيديولوجيا ظلامية معينة، حظيت بفرصة دولية، ووجدت في ما سمي «الربيع العربي» فرصتها للسيطرة، وبث أفكارها المدمرة، واستخدام قدراتها التجنيدية الكارثية.

يمكننا هنا، بمواجهة هذا الموقف أن ننتبه إلى دعوات استئناف الحضارة، والتفاتة دبي الكبيرة نحو الكتاب الورقي ومخزونات المخطوطات، من خلال مشروع «مكتبة محمد بن راشد»، التي تقول إن الإنسان يمكن أن يحافظ على بقائه بصور كثيرة، ولكنه لا يمكن أن يبقى كائناً عاقلاً مفكراً، دون اللغة والثقافة والكتاب.

هنا، نعود ونقول إن العلماء منارة كل مجتمع، وعلينا أن ننير هذه المنارة، وأن نهتدي بها، وأن نحاول أن يبقى العلماء علماءً..

وهذا لأن الطامحين في دخول مضمار السياسة، واحتلال المناصب، في العالم العربي أكثر بكثير من الراغبين في دخول المجال العلمي والثقافي والإبداعي..

في الواقع هذا الحديث لا ينتهي لأنه تحية متأخرة للعلماء العرب الذين يحيون جامعات ويشغّلون مراكز علمية وبحثية في بلدانهم ويعلمون ويدرسون ويخرجون تلاميذ مدارس وطلبة جامعات. وهم، في الأساس، منتجو أفكار وقيم، وأصحاب عقول استراتيجية.

وهذه التحية لا تنتهي، لأن كل مجتمع يحتاج إلى عقل نيّر!

 

Email