مكافحة الشذوذ ضرورة عصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يواجه العالم اليوم تحديات أخلاقية وسلوكية كبرى، ومن أخطرها الترويج للمثلية الجنسية والسلوكيات الشاذة، ولا يكمن الخطر في الترويج لهذه السلوكيات المنحرفة في حد ذاتها فقط، بل يمتد الخطر ليشمل الترويج لمنظومة فكرية وثقافية تتم محاولة فرضها على الدول والمجتمعات، وتقف خلفها جماعات الضغط (اللوبيات) التي تحمل أيديولوجيات شاذة، وتستغل مختلف وسائل الدعاية والدعم والضغط لفرض أجنداتها، وترفع شعارات حقوق الإنسان والليبرالية وغيرها، بما يشمل الضغط على الدول لتغيير قوانينها وتشريعاتها، وبما يشمل الضغط على المجتمعات لتغيير ثقافاتها وهوياتها.

وقد استطاعات هذه الجماعات التغلغل في بعض المجتمعات، وبالأخص المجتمع الأمريكي، الذي يشكل فيه لوبي المثليين قوة كبيرة، ويضم رجال أعمال وقانونيين وحقوقيين وسياسيين وغيرهم، وكذلك منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الحقوق المدنية وغيرها، ويصف بعض الكُتاب جماعات الضغط هذه بأنها ثالث أكبر حزب سياسي هناك، وذلك لقوة تأثيرها، وامتلاكها لأدوات كثيرة، سواء ما يتعلق بالمال أم الإعلام أم النفوذ السياسي أم غير ذلك، واستهدافها للمجتمعات الطبية والعلمية والسياسية لتأييد أجنداتها، ونشر رهاب نقد المثلية، وممارسة مختلف أنواع الإرهاب الفكري تجاه من يتصدون لهذه الأيديولوجيات.

ورغم أن باراك أوباما الرئيس الأمريكي الأسبق أعلن في حملته الانتخابية الأولى في 2008 عدم تأييده لزواج المثليين، إلا أنه انتقل إلى الضفة الأخرى في أعتاب ولايته الثانية عام 2012، ليصرح بدعمه لذلك، ليصبح أول رئيس أمريكي يدعم بشكل كامل وعلني فكرة السماح للمثليين بالزواج، ولم يقف عند هذا الحد، بل اعتبر دعم هذه الفئة مهمة أمريكية مقدسة لدعم حقوق الإنسان في العالم، وعمل على انتهاج سياسة توسيع حقوق المثليين، والزج بالمؤسسات الأمريكية العاملة بالخارج في هذه السياسة، بما في ذلك استخدام الدعم المالي وتوفير حقوق اللجوء وغير ذلك، وقد انتهج الرئيس الأمريكي بايدن السياسة ذاتها، بدعوى نشر القيم الديمقراطية الأمريكية في العالم.

وتشتد الخطورة هنا في توظيف مختلف الأدوات للترويج للمثلية الجنسية، واستهداف مختلف الشرائح بما في ذلك الأطفال، حيث يتم زعزعة قناعاتهم بهويتهم الجنسية التي فُطروا عليها، وتغذيتهم بالثقافة المثلية على أنها حق من حقوق الإنسان وحرية شخصية يمكنهم ممارستها، وتوظيف مختلف أدوات الترفيه من أفلام ومسلسلات ومجلات مصورة وغيرها لتغذية هذا الفكر لديهم، لإنشاء جيل جديد لا يجد أدنى حرج تجاه المثلية الجنسية، فضلاً عن دفعهم لتغيير ميولهم الجنسية وإيقاعهم في هاوية الانحرافات، وتعريضهم لشتى أنواع المخاطر، بما في ذلك المشكلات النفسية، والتي قد تصل إلى حدود الانتحار، فبحسب اعترافات داعمي المثلية أنفسهم فإن هذه الفئة أكثر عرضة للإصابة بالمشكلات النفسية من الأسوياء، وهم يشكلون نسبة كبيرة من الوفيات الانتحارية، وخصوصاً بين الشباب، كما أن المثليين الأكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض نقص المناعة (الإيدز).

ومع ذلك كله فإن هذه الموجة العاتية من الشذوذ الأخلاقي والتي يقف خلفها جماعات الضغط تواجه رفضاً من كثير من شرائح تلك المجتمعات نفسها، ولذلك تتبع هذه الجماعات استراتيجيات عدة، منها تشجيع الشاذين على الإعلان عن ميولهم الشاذة في وسائل الإعلام والتجمعات وغيرها، في محاولة لدفع تلك المجتمعات للتطبيع معهم، ونشر رهاب نقد المثلية، وربطه بالكراهية والتطرف وانتهاك الحقوق.

إن التصدي لهذه الموجة العاتية ضرورة عصرية، لما تمثله من انتهاك صارخ لحقوق الدول والمجتمعات والأفراد، وتعدٍّ مشين على هوياتها الثقافية وعلى قوانينها وتشريعاتها وقيمها الأخلاقية، وعدوانٍ على كرامة الإنسان واستقلاليته، فإذا كان هؤلاء لا يجدون حرجاً في استهداف الأطفال الصغار وتشكيكهم في هوياتهم الجنسية السوية، فأي كرامة واستقلالية للإنسان بقي بعد هذا؟!

إن ما يصادق عليه برلمان في أوروبا أو أمريكا حول ممارسة الجنس بين المثليين أو حتى ممارسة الجنس مع الحيوانات ليس قانوناً ملزماً لدول العالم، وليس ذريعة تسمح لهؤلاء بممارسة الوصاية والاستعلاء الفكري والتدخل في شؤون الدول والمجتمعات الأخرى، وفرض هذه الأجندات عليهم، ولا يمكن التذرع بالحرية الشخصية لهدم القيم والمبادئ وانتهاك الأنظمة والقوانين.

إن كرامة الفرد واستقلاليته وحريته في القيم الإيجابية التي تصونه كفرد مستقيم، يرتقي بنفسه وببني جنسه، ويسهم في بناء حضارة إنسانية راقية.

 

* كاتب إماراتي

Email