خلطة دبي الإعلامية السحرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدول المنغلقة على نفسها، والتي تنأى بجهدها عن المشاركة في صناعة وصياغة فكر العالم ورأيه العام، يبقى الانغلاق عقيدتها والجلوس على مقاعد المتفرجين أسمى أمانيها.

ولأن الأماني لا تتحقق بالمتابعة عن بعد، والغايات لا تتبلور بالانتظار، فإن الضلوع في المشهد الإعلامي العالمي والإقليمي والمحلي ضرورة وأبجدية من أبجديات التفاعل والتأثير.

جانب معتبر من تأثير دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية على العالم يعود الفضل فيه إلى الإعلام.

وسواء كانت أمريكا تتحدث إلى العالم عن طريق قناة تلفزيونية رصينة، أو عبر تغريدات على «تويتر» وتدوينات على «فيسبوك» أو من خلال مقالات الرأي في صحف مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، فإن جزءاً كبيراً من صورة أمريكا ومكانتها في أذهان سكان العالم تتشكل بفعل كل ما سبق.

سبق وقدمت لنا دبي نموذجاً سباقاً عبر منظومة إعلامية متكاملة ظهرت ملامحها قبل ما يزيد على عقدين.

أصبحت دبي عاصمة للإعلام العربي، ومكان التقاء إعلام الشرق والغرب سنوات طويلة قبل اختيارها عاصمة للإعلام العربي في عام 2020.

جذبت المؤسسات الإعلامية العربية التلفزيونية، فأصبحت مدينة للإعلام العربي فعلاً، وليس مجرد «مدينة دبي للإعلام» بمعناها التشييدي والخدمي.

وخدمت مكونات منظومة الإعلام حزمة من الأهداف ضمنت وصول إعلام دبي إلى العالمية، لا من حيث ذكر الاسم في المحافل الإعلامية الدولية، أو استضافة فعاليات دولية تضمن انتشاراً عابراً للحدود فقط، ولكن من منطلق المشاركة الفعلية في المشهد الإعلامي باستباق التقنيات واقتناص الفرص وحجز مكانة فاعلة بين مؤسسات العالم الإعلامية الكبرى.

والحقيقة إن الإمارات بشكل عام، ودبي بوجه خاص، قدمت للعالم العربي نموذجاً متفرداً في توازن الاهتمامات وتحقيق المصالح والأهداف مع البقاء في بؤرة اهتمام العالم بجناحي الإعلام القديم بمهنيته ورصانته وقواعده، والجديد بأذرعه الكثيرة سواء المؤسسية أو الفردية.

فمن الصحف الورقية ومواقعها الرقمية الحديثة، إلى نادي دبي للصحافة ومنتدى الإعلام العربي، إلى مدينة دبي للإعلام، ومنها إلى القيام بدور همزة الوصل بين العرب والغرب.

وكذلك مكان اجتماع العرب ببعضهم البعض تحولت دبي إلى محور العرب الحيوي للإعلام.

عملت الإمارات، ودبي في القلب منها، على صناعة نموذج إعلامي عربي فريد. هذا النموذج لم يكن استنساخاً لنماذج الإعلام في دول غربية. كما لم يعد الثورة الرقمية غاية، بل تظل وسيلة.

أخذ في الحسبان أبجديات الهوية وعناصر التاريخ وعمق الجغرافيا، فخرجت المنظومة مختلفة ونموذجاً يحتذى.

كما نظر إلى المستقبل باعتباره مكوناً أصيلاً في المشهد الإعلامي، فلم يُصَب بصدمات بينما الثورة الرقمية تفرض سطوتها سريعاً وتطيح بمؤسسات إعلامية ظنت نفسها راسخة، فوجدت نفسها محالة إلى التقاعد. وفي كل ما سبق، كان إعداد وتأهيل وتمكين القيادات الشبابية عملية مستمرة.

هذه المنظومة المتكاملة والرائدة مكنت دبي من احتلال مكانة متفردة في المشهد الإعلامي العربي، حتى أصبحت قبلة الباحثين العرب عن قلب أصيل وقالب حديث للإعلام.

لذلك لم يأت صدور قانون من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بإنشاء «مجلس دبي للإعلام» مفاجأة.

فقد عودتنا دبي على التحديث والتجديد والاستشراف باستمرار. كما عودتنا أن نجاح منظومة ما لا يعني أبداً الاسترخاء التوقف عن الابتكار والتحديث والمواكبة.

وبينما الكوكب في مرحلة إعادة هيكلة ووضع قواعد جديدة، ربما ينشغل البعض بمتابعة ما ستسفر عنه خطوات إعادة رسم الخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.

لكن هناك من لا يكتفي بالمتابعة وانتظار النتائج، بل يستعد لها، وجانب من الاستعداد يكمن في جاهزية المنظومة الإعلامية.

واضح تماماً أن «مجلس دبي للإعلام» سيدهشنا كالعادة. الأشهر وربما الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد على الأرجح الكشف عن رؤى استشرافية جديدة للإعلام.

وسواء كان مطبوعاً أو رقمياً أو مسموعاً أو مرئياً، يبدو أننا جميعاً على موعد مع صفحة جديدة من صفحات الإعلام المواكب بقدراته البشرية والتقنية لمسيرة دبي في الحداثة والتطور.

تحالف الكوادر البشرية مع التجهيزات التقنية، والقدرة على توظيف الثانية لصالح الأولى، مع وجود رؤية وخطة وغاية منطقية وواقعية لمستقبل منظومة الإعلام هو تحالف النجاح.

فالبشر وحدهم دون تقنيات لن يصمدوا في وقت الحداثة. والتقنيات مهما بلغت من حداثة دون وجود العامل البشري الذي يوظفها ويطوعها تكون مجرد عنصر إبهار لا يحقق مصالح أو أهداف؛ لذلك فإن المحتوى الإعلامي ذا الميزات التنافسية العالمية هو «سر الخلطة السحرية».

ويظل المتلقي هو المستفيد الأول من كل تطوير ومواكبة في عالم لا تستوي فيه أمور الأوطان وتتحقق مصالحها إلا بصلاح الإعلام وخلطته السحرية.

*كاتبة صحافية مصرية

 

Email