رسائل زيارة بايدن

ت + ت - الحجم الطبيعي

الشرق الأوسط يستعد لجولة الرئيس الأمريكي جو بايدن منتصف يوليو المقبل.

واشنطن لديها أوراقها التي ترغب في ترتيبها، وفق دخان كثيف صنعته الحرب الروسية- الأوكرانية، الصين وروسيا أيضاً لهما حساباتهما الخاصة بهما، الصراع على من يجلس على مقعد قيادة العالم.

كل يحاول استقطاب أطراف المعادلة في التوقيت الصعب. آلة الحرب مستمرة، بدأت ولا يعرف أحد متى تتوقف؟ لكن قطعاً تداعياتهــا وانعكاساتها أصابت الجميع، العالم لا ينشغل سوى بالخروج الآمن من هذه الأزمة.

تعميق الشراكات والاتفاقيات وزيادة مساحات التعاون، هو قاموس الضرورة لتبديد الغيوم القادمة من البحر الأسود، حيث تدور رحى الحرب.

ساكن البيت الأبيض، الذي يستعد لجولة إلى المنطقة، هي الأولى منذ تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في 20 يناير عام 2021، دفع العديد إلى طرح علامات استفهام كبرى حول هذه الجولة: لماذا الآن؟ وما أهداف هذه الجولة؟ وما الملفات والقضايا، التي في حقيبته؟ وما يمكن أن يترتب على هذه الجولة في المنطقة والشرق الأوسط؟ وهل تستشعر أمريكا اهتزاز علاقاتها بحلفائها الاستراتيجيين في المنطقة العربية؟

أول دوافع ومصالح هذه الجولة الأمريكية تتمثل في ملف الطاقة، إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تعاني موجة تضخم هي الأكبر منذ ديسمبر عام 1981، فقد ارتفع سعر «جالون» البنزين ليتجاوز الخمسة دولارات، وهو ما يساوي ضعف سعره عندما دخل الرئيس بايدن البيت الأبيض، الأمر الذي وضعه في مأزق لا يحتمل الانتظار، فهو يدرك جيداً أنه مقبل على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وقطعاً فإنه يسابق الزمن في الحفاظ على حزبه الديمقراطي، ومن ثم فإنه يبحث عن حلول لمعالجة أزمة الطاقة، بما يسهم في خفض أسعارها العالمية، وفي القلب منها السوق الأمريكية.

أما الدافع الثاني فيتمثل في قطع الطريق أمام النفوذ الصيني- الروسي المرتقب، في ظل الحرب الدائرة الآن، لا سيما أن دوائر المعلومات والتحليل الأمريكي دائمة التحذير للرئيس بايدن من أخطار تنامي وتمدد النفوذ الصيني- الروسي على المصالح الاستراتيجية الأمريكية، التي شكلتها في المنطقة عبر عقود طويلة.

الدافع الثالث نقرأه جيداً عبر زياراته خلال الفترات الماضية، إذ إن بايدن قام بجولة أوروبية في يونيو 2021، وجولة آسيوية خلال مايو الماضي، والآن يستعد لجولة داخل المنطقة العربية، وذلك لإدراكه أهمية المنطقة العربية، ككتلة جيوسياسية لا تقل أهمية عن كتلة أوروبا، وكتلة شرق آسيا، وأن المواقف العربية خلال الحرب الروسية- الأوكرانية عبرت عن حضورها العالمي، بشكل مغاير وقوي وفاعل، بما أفسح لها المجال لتكون رقماً مهماً في صياغة معادلات المستقبل والنظام العالمي الجديد، فلو ترجمنا هذا الكلام على أرض الواقع، نجد أن العالم العربي بمثابة حلقة مهمة في سلاسل الإمداد العالمية، فالأهمية العربية الجيواقتصادية أسهمت بشكل كبير خلال هذه الأزمة أن تكون الممرات الآمنة لوصول الاحتياجات الحياتية إلى كل دول العالم.

إذا كانت هذه دوافع جولة بايدن إلى المنطقة من أجل المصالح الأمريكية، فإن هناك مطالب ومصالح عربية تنتظر هذه الجولة أيضاً، ويأتي في مقدمتها: حسم الموقف الأمريكي تجاه ملف الحرب على الإرهاب، والوقوف على حقيقة السياسة الأمريكية تجاه هذا الملف، والتعرف على خطوات الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، خصوصاً أن بايدن منذ أن كان مرشحاً للرئاسة، وهو يقدم تصورات لحل هذه القضية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، في حين أن شيئاً لم يحدث بشأن حلحلة هذه القضية، بل إن حجم ومساحة التوترات في الأراضي المحتلة ازدادت، ووصلت إلى حالة حرب في مايو 2020، ولولا التدخل المصري في الوقت المناسب، لكانت الحرب قد توسعت إلى أكثر من ذلك.

في السياق ذاته تحرص الدول العربية الفاعلة على أن تجعل من الموقف الأمريكي أداة قوية، لدعم وتبريد الصراعات في العواصم التي لا تزال تعاني آثار الفوضى والتخريب، الذي تركته ما تسمى بثورات الربيع العربي.

إذاً نحن أمام جولة مهمة للرئيس الأمريكي جو بايدن، في الشرق الأوسط، بل إنها جولة كاشفة لما يحمله المستقبل لمصالح الطرفين.

 

 

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email