تعليم الوقاية من الصدمات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظروف كتلك التي يعيشها العالم هذه الآونة، يبدو الحديث عن التعليم وجودته وتحديثه ومواكبته، بل واستشرافه لاحتياجات سوق العمل، واحتياجات الأمم لاستمرار البناء والاستدامة، وكأنه رفاهية. لكنه ضرورة حتمية وأولوية قصوى. فالمَخرج الآمن هو التعليم الجيد، والوقاية من المزيد من الأوبئة والحروب، هو التعليم الكفء والمرن القادر على دفع صاحبه، لا لاجتياز الصعوبات الطارئة فقط، بل لإيجاد الفرص الكامنة في الأزمات.

أزمات عديدة تعرضت لها الدول العربية على مدار عقود، ما كان لها أن تستمر وتتوغل، لو كانت لديها منظومات تعليم كفء. الجميع لديه أنظمة تعليم، لكن أغلبها لم يكن جيداً. كانت ممتلئة متخمة محشوة بالكثير، مما لم يحقق نهضة حقيقية، أو يترك بصمة عربية واضحة. وقع البعض في براثن صراعات مسلحة، والبعض الآخر وجد نفسه غير قادر على خلع رداء الفقر، بل غرق في المزيد منه. ومجموعة ثالثة بقيت كما هي، فلا هي تقدمت، ولا هي أحدثت فرقاً.

الفرق الحقيقي بين دول العالم حالياً، يكمن في أيها سيمتلك القدرة على الاهتمام بمنظومة التعليم، أو يحافظ على اهتمامه بها، في ظل الظروف الحالية. أتابع بكل اهتمام، الخطوات التي تتخذها دولة الإمارات، لتطوير وتحديث منظومة التعليم المدرسي عبر «مدارس الأجيال».

كلمة السر تكمن في «المدارس الحكومية»، فلن ينصلح حال التعليم في بلد، أو تحقق منظومته التعليمية نقلة حقيقية، عبر المدارس الدولية أو الخاصة وحدها. عصب التعليم يكمن في إتاحة تعليم كفء متميز حديث، يفي باحتياجات العصر، ويدرك متطلبات المستقبل للقاعدة العريضة من الصغار في أية دولة، وليست للصغار فقط القادرين على الالتحاق بمدارس خاصة، ذات مصروفات باهظة، أو نصف باهظة.

مدارس الأجيال، تعد بأبعاد عالمية، وتنافسية تعزز المخرجات التعليمية وكفاءتها. وهي تأتي مراعية لتكامل وجودة وكفاءة كل أطراف العملية التعليمية من طالب ومعلم، وكذلك أولياء الأمور، حيث المعلومات متوفرة حول فلسفة المدارس، والغرض منها وهدفها. هذا التكامل المرتكز على شراكة كاملة بين مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي والمدرسة وولي الأمر، أشبه بشهادة ضمان نجاح المنظومة.

يتصور البعض أن نظام التعليم الأفضل والأنجع، هو الذي ينسلخ عن المجتمع الذي ينتمي إليه، ويصبح صورة طبق الأصل من نظام التعليم في دول تقبع على قمة العالم. لكن الحقيقة هي أن نظام التعليم الأفضل، هو الأفضل للأمة التي يخدمها، ويراعي مصالحها، ويعمل على تهيئتها لمستقبل أفضل، يجمع بين أصالة التاريخ ومعاصرة الحاضر وحداثة المستقبل.

وأستحضر في هذا السياق، ما تعكف عليه مصر منذ أكثر من خمس سنوات، حيث تحديث متدرج لنظام التعليم. وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر، تعمل على تحديث نظام التعليم، من حيث الشكل والمحتوى، وذلك بدءاً من رياض الأطفال، وسنوات التعليم الابتدائي.

في الوقت نفسه، أدخلت مصر عنصر الرقمنة على التعليم الثانوي، من حيث الشكل، وكذلك أسلوب التعلم، حيث جهود عتيدة لإحلال الفهم والتفكير النقدي، بدلاً من الحفظ والصم، وسكب المعلومات على ورق الإجابة، دون اكتساب مهارات أو إضافة ملكات. وتسير تلك الجهود، بالتوازي مع تحديث التعليم الفني، وإضافة أفرع جديدة إليه، تصب مباشرة في سوق العمل.

سوق العمل، هو الوجه الآخر لمنظومة التعليم. ولسنوات طويلة، سارت أنظمة التعليم في العالم العربي في خط موازٍ لسوق العمل، حيث لا تماسّ أو تلاقٍ. اليوم تتحدث الإمارات عن منظومة تعليم سوق العمل في القلب منها.

وبين الحين والآخر، تضيف مكوناً تحديثياً على علاقة وثيقة باحتياجات ومتطلبات سوق العمل، التي هي في حالة تغير مستمر ومتسارع. هذه المتطلبات، أضيفت إليها في السنوات العجاف القليلة الماضية، تقلبات وانقلابات لم تكن على بال أو خاطر.

انكمشت أسواق، وتمددت أخرى. أغلقت أعمال أبوابها، وفتحت أخرى آفاقاً وبوابات. أخبرنا الوباء أننا في حاجة إلى المزيد من الطواقم الطبية. كما أخبرنا بأن شكل العمل ومستقبله قبل الوباء، يختلف جداً عنه بعده. وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية، لتلقننا درساً آخر.

غذاؤنا ليس مضموناً. ومن لا يملك غذاءه في دولاب مطبخه، كمن لا يملك مطبخاً من الأصل. كما أخبرتنا أنه كلما راعت العلاقات السياسية والاستراتيجية التنوع، تقلصت الآثار العكسية الناجمة عن الحروب العالمية، والمكايدات الدولية.

كل ما سبق، يعني أن منظومة التعليم في الأمم الراغبة في النهوض أو المضي قدماً في نهضتها، في حاجة إلى تحديث مستمر، وتوسيع لقاعدة التطوير، حيث المدارس الحكومية صمام الأمان وضمان الاستقرار.

الجميع ينظر إلى تجربة مدارس الأجيال، بكثير من الإعجاب، وفي انتظار النتائج الأولى لهذا الزرع الطيب، الذي لا غنى عنه، لتلبية متطلبات التنمية، وضرورات علاج الصدمات، والوقاية منها.

 

Email