منارة المعرفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بإحساس الفارس الذي لا يعرف الراحة إلا في الإنجاز، أطلّ علينا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بهيبته ووقاره ليزفّ لشعبه البشرى بافتتاح مكتبة محمد بن راشد، هذا الصرح العلمي الكبير الذي يحمل اسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ويجسد رؤيته للحياة، ويخلّد بصمته في تاريخ الدولة التي عاش صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لحظات انبثاقها إلى عالم الوجود، ومنذ أكثر من خمسين عاماً وهو يقتحم الصعاب ويرتاد الآفاق، ويصنع المستحيل في سبيل رفعة هذا الوطن وإعلاء شأنه وبنيانه بين الشعوب والأمم.

في التاريخ القديم يظنّ الناس أن الآثار العمرانية هي أفضل ما تركته الحضارات القديمة كاليونان والرومان، لكنّ هناك آثاراً أخرى لا تقلّ قيمة وأهمية عن تلكم الآثار العمرانية الضخمة الدالة على عبقرية الإنسان وصبره في تخليد إبداعاته، وحسبنا في هذا المقام أن نشير إلى مكتبة الإسكندرية التي خلّفها اليونان وورثها الرومان في مصر كواحدة من أعظم المنجزات الحضارية لتلك الشعوب الغابرة، وهي الشاهد الخالد الذي ما زال قائماً كشاهد على عظمة تلك الحضارة وتوقيرها للعلم وعنايتها بالمعرفة، حتى أصبح للإسكندرية منارتان: منارة حسية مادية تتجلى في منارة البحر، ومنارة معرفية تتجلى في مكتبة الإسكندرية التي تحتلّ مكانة مرموقة جداً في التراث العالمي كشاهد أصيل على روعة الفكر الإنساني وحيويته الفائقة.

وفي غمرة فرحة الوطن بالمرحلة الجديدة والانطلاقة الواثقة مع قائد الدولة الجديد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ومن خلال حسابه على «إنستغرام» و«تويتر» عن افتتاح مكتبة محمد بن راشد كصرح علمي مميّز ومنارة للمعرفة تضاف إلى الإنجازات الكبرى التي أنجزها سموه وجعلها من مكتسبات الوطن، كلّ الوطن، لتكون هذه المكتبة بكل دلالاتها مفخرة من مفاخر الوطن الحبيب، ومَعْلَماً ثقافيّاً بارزاً يفتخر به أبناء العروبة والإسلام في كل مكان.

فالإمارات بجميع إماراتها لا ترى في إنجازاتها إلا إنجازات للأمة كل الأمة، وهي مَنْقبة أخلاقية توارثها قادة هذه الدولة عن المؤسسين الكبار الذين زرعوا حب الخير في قلوب أبناء الوطن، وجعلوا من الإمارات مهوى لأفئدة جميع من يقدم لهذا الوطن ما يستحقه من الحب والولاء.

«افتتحنا بحمد الله اليوم مكتبة محمد بن راشد: صرحٌ للعلم ومنارة للمعرفة»، بهذه العبارة التي تحمل روح البشارة يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه الكلمة الثمينة بمناسبة هذا اليوم المجيد ملخّصاً جوهر هذا الإنجاز الكبير، فهو صرح شامخ من صروح العلم التي تعتز بها الأمم المتحضرة، وهو منارة تنير الطريق لكل راغب في طلب المعرفة تماماً كما يهتدي أهل البحار بمنارات البحار حين تضلّ بهم الطريق، ليكون هذا الحدث واحداً من منجزات هذه المرحلة التي دبّت فيها العافية في جميع مرافق الدولة، ولتفتخر دبي بهذا الصرح العلمي كما افتخرت قبل مدة قليلة بمتحف المستقبل الذي لا نظير له بين متاحف العالم، فتظلّ في تميّزها المعهود، يرعاها فارسٌ لا تغمض له عين إلا على فعل الخير وحُبّ النفع وتخليد الآثار.

«تضم 9 مكتبات تخصصية، وأكثر من مليون كتاب، و6 ملايين أطروحة بحثية، وتكلفت مليار درهم»، هذا هو المحتوى الفريد الضخم لمكتبة محمد بن راشد، وهو شيء تتكلم عنه الأرقام التي بلغت مليار درهم، وهذا رقمٌ ليس من السهل إنفاقه في العالم العربي، لكن دبي الرائدة ما زالت تسير على سنتها في التفوق والإدهاش، وتفاجئ عشاقها بين الحين والآخر بما يزدادون به محبة لها وعشقاً لتفردها.

«هدفنا ترسيخ هويتنا، وثقافتنا وفكرنا، وصنع مستقبل أجيالنا» وما أروعه من هدف وما أعزّه من مقصد، حيث يفصح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بهذه النبرة الواضحة الواثقة عن الهدف المعلن لهذا الصرح العلمي الفريد الذي لخصه بهذه الكلمات الثمينة، وهي ترسيخ الهوية الوطنية المنتمية إلى هذا الوطن الحبيب الذي منحنا شخصيتنا الوطنية، وتعزيز القيم الثقافية لثقافتنا العربية الإسلامية الأصيلة التي هي جوهر وجودنا ومعيار شخصيتنا، وتوظيف ذلك كله لصنع المستقبل المشرق للأجيال القادمة، فيجتمع من ذلك كله رؤية عميقة وواضحة لكل منجزات الوطن النابعة من ثقافته ووجدانه وشخصيته الحضارية.

«أول وصية من السماء للأرض هي كلمة «اقرأ»، الاقتصاد بحاجة للمعرفة، والسياسة بحاجة للحكمة، والأمم بحاجة للعلم، وكل ذلك موجود في الكتاب»، ويزداد الألق في كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حين يكتب هذه الكلمات النابعة من قلب شاعر عميق الإحساس بمعنى الكلام، فهو يغترف من بحر الثقافة لكي يصل إلى الوجدان العميق لأبناء الوطن، فهو يعرف كم هي عميقة الدلالة كلمة «اقرأ» في ثقافتنا، فهي الجذر العميق لحضارتنا، وبغير هذه الكلمة ما كان لنا أدنى شأن، وهو يريد للقراءة أن تكون منظوراً شاملاً للحياة يستوعب جميع مساراتها من سياسة واقتصاد، فكانت هذه الكلمات الطالعة من قلب حكيم عميق التجربة يعرف كيف يؤثر في وجدان السامع ويحرك رغبته تجاه الهدف المقصود.

«ولدينا اليوم صرح لملايين الكتب نضمن به تطوير مسيرتنا التنموية وحياة وفكر أجيالنا»، وبهذه الخاتمة البديعة يختتم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الحديث عن هذا الحدث الكبير في مسيرة الوطن الكبرى التي لا تراهن على شيء رهانها على الإنسان الواعي المستنير الذي يحترم العلم ويسير بثبات ورشد في طريق المعرفة التي هي طريق الإنسانية الكبرى في تاريخها الطويل.

شكراً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على هذه المنارة الكبرى التي تليق بتاريخكم الجليل، وتليق بدبي الطالعة في سماء المجد مثل كوكبٍ وهّاج لا يعرف الانطفاء.

 
Email