لأن الإرهاب ليس قراراً أو فعلاً بعينه أو عملية يتم تنفيذها ثم يعود المنفذون إلى بيوتهم بعد انتهاء يوم عمل، ولأن الإرهاب فكرة يعتنقها المنفذون حتى وإن كانت لا تعدو كونها مجرد حزمة مصالح وتوازنات سياسية واقتصادية يقررها منظروه، وأسلوب حياة يتحول إلى تفاصيل تكتسب صفة «العادية» ما يجعلها عصية على التصحيح، ولأن الإرهاب فيروس لا يعترف بحدود وطنية أو سيادة سياسية، وبالطبع معايير إنسانية، فإن مواجهته لا تكون ناجعة ولا تحقق أغراضها، إلا بتضافر المتضررين والمعرضين لخطر الإرهاب. هذا التضافر يرتكز على قناعة تامة بأن الإرهاب ليس عملية أمنية يتم شنها فتقضي عليه، أو مؤتمراً دولياً ينتهي بانتهاء فعالياته، أو مرحلة تعاون مؤقتة تنتهي بخفوت عمليات التفخيخ والتفجير والقتل باسم المعتقد.
وباسم المعتقد، تُرتَكب فظائع في منطقتنا العربية على مدار عقود طويلة، تبلورت واتضحت وبانت معالمها منذ هبوب ما يسمى بـ«رياح الربيع العربي» في عام 2011. فكر مسموم أخذ في التغلغل والتمدد على مدار سنوات طويلة في غفلة عن الجميع. ولعل من محاسن «الربيع» القليلة هي أنه ساعد على الانكشاف. فخلايا الجسم الفاسدة لا تؤلم بالضرورة، لكنها لو بقيت دون علاج، تتكاثر وتنتشر إلى أن تجهز على الجسم كله.
الجسم العربي كان في حاجة ماسة إلى ما يجمعه. فرغم وفرة عوامل الجمع من تاريخ وجغرافيا ولغة وثقافة، إلا أن سموم الفرقة كانت أيضاً كثيرة، لكن حين يتعلق الأمر بأن نكون أو لا نكون، تكون الصحوة واجبة والإنقاذ فرضاً.
وقد فرضت مجريات الأمور في العديد من البلدان العربية واقعاً جديداً على الجميع. صحيح أن هذا الواقع دفع بدول إلى هوة صراعات مميتة لم تُكتَب لها النجاة منها بعد، لكنه في الوقت نفسه سطر صفحة جديدة من صفحات التضافر العربي.
وعلى الرغم من الشوط الطويل الذي قطعته مصر على طريق اجتثاث الإرهاب منذ عام 2013 حين قررت الإرادة الشعبية المصرية أنها لن تخضع لحكم جماعة مجرمة، إلا أن الطريق طويل. والمصريون، حكاماً ومحكومين يعون ذلك ومستعدون له.
وقوع حادث إرهابي في مصر بقدر ما يؤلم المصريين ويوجعهم، يزيد صلابتهم ويقوي عزمهم لاستكمال الطريق حتى تمام التطهير. وحين تجدد الإمارات عهدها في دعم مصر في حربها التي هي حرب الجميع ضد الإرهاب، فإن ذلك يشد من عزيمة مئة مليون مصري. وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات حين تعلن عن إدانتها محاولة استهداف محطة رفع مياه في شرق قناة السويس قبل أيام، واستنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، ورفضها الدائم لكل أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية، فإنها تخبر العالم أن حرب مصر ضد الإرهاب ليست حرباً تخوضها دولة منفردة ضد غول مجرم لا دين له أو أخلاق أو ثوابت.
الإمارات حين تجدد موقفها الثابت وتعلن مراراً وتكراراً تضامنها مع مصر في التصدي للإرهابيين، وتأييدها ومساندتها لكل ما تتخذه مصر من إجراءات لحماية أمنها واستقرارها للقضاء على آفة العصر، إنما هو تجديد لتذكرة الجميع بأن أحداً لن يكون في مأمن إلا بتحقق الأمن للجميع.
الجميع يعلم أن «المصالح تتصالح» أحياناً، وأن السياسة تتغير وتتبدل، لكن الإرهاب كوسيلة لتحقيق المصالح لا يتصالح معه الحكماء أبداً. قطع دابر هذه التنظيمات إطاره التضافر العربي، على الأقل تلك الدول التي يجمعها وعي بالمخاطر ويقين بأن النصر لن يتحقق إلا باستدامة الوعي ومحاربة الفكرة بالفكرة والفرقة بالاتحاد. الإرهاب - وإن كان يركز جهوده الآنية في منطقتنا العربية - لكنه يبقى ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والثقافات والأديان. مواجهته ليست عسكرية فقط. مواجهته تعالج الجذور، وتواجه جهود التجنيد وغسل الأدمغة، وتتصدى لجرائمه، وتبقي على عهد التضافر والتعاون، ففيه نجاة للجميع ووأد للإرهاب من منابعه.