اختلف معي ولكن احترمني

ت + ت - الحجم الطبيعي

نسمع ونقرأ أحياناً كلمات براقة من المثالية، وحب مساعدة الآخرين، وقيم الإيثار، والنخوة والفزعة لنجدة المحتاج، لكن في اللحظة نفسها نشاهد ممارسات على أرض الواقع لا تمت بأي صلة لكل تلك الشعارات، ففي كل مجتمع إنساني تتباين الآراء وتختلف وجهات النظر، وفي المجتمعات الأكثر تعلماً ومعرفة تعتبر مثل هذه الظاهرة مؤشراً صحياً وسليماً، لأن ذلك دليل على حراك فكري ومعرفي يطول كافة مفاصل وزوايا المجتمع. والتجربة الإنسانية أثبتت منذ حقب زمنية غابرة وحتى اليوم أن الإنسان كلما شعر أنه يشارك ويتعاطى مع قضاياه وهمومه كان هناك ارتفاع أكبر في الوعي وفي التطبيق، وهو ما يرتد إيجابياً على سلامة المجتمع كله. إذن المشاركة في الرأي، بل والتعبير عن هذا الرأي باحترام وحفظ حقوق الآخرين الذين يشاركونك المكان والآمال والطموحات، وتفهم رأي الآخرين، بل وحماسهم لهذا الموضوع أو ذاك أيضاً يعتبر دليلاً على عمق الوعي الإنساني. ولكن مع الأسف، الذي يحدث في كثير من الأحيان في عالمنا العربي هو أشبه بمعركة كلامية تلقى فيها الشتائم والتهم والتخوين وغيرها الكثير من المفردات التي يمتلئ بها واقعنا، ويمكن ملاحظتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن التعليقات التي يتم نشرها على عدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية. والموضوع لا يستحق كل هذا التشنج والعصبية. وهناك جانب آخر في هذه المعضلة، وهو أننا خلال نقاشاتنا وفي مجالسنا قد لا نعطي الذي أمامنا ما يستحق من التقدير والاحترام لعلمه أو لكبر سنه أو لتميزه ونبوغه في مجال ما، فتجد أحدهم يتحدث نحوه بهمجية ولا مبالاة، وأحياناً بقسوة ورفع صوت وبغمز ولمز في الكلمات، وفي هذا السياق أستحضر ما حدث للمؤلف والكاتب الشهير جورج برنارد شو، الذي حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1925، حيث قال له كاتب: أنا أفضل منك، فأنت تكتب وتبحث عن المال، وأنا أكتب عن الشرف، فقال له برنارد شو: صحيح كل منا يبحث عن ما ينقصه. وقصة الشاعر بشار بن برد، وقد كان كفيفاً، حيث كان جالساً مع رفاقه، فجاءه رجل وسأله قائلاً: ما أعمى الله رجلاً إلا عوضه، فما الذي عوضك به الله؟ فقال له بشار بن برد: بأن لا أرى أمثالك. والذي نريد الوصول إليه أنه لا بأس بالسؤال، ولا بأس من محاولة التعلم، بل والاختلاف والنقاش، ولكن باحترام وتقدير للجميع. وغني عن القول أننا بحاجة لترسيخ مبدأ وفنون الحوار والحديث لدى النشء منذ نعومة أظافره وحتى ينطلق في مجالات الحياة، وأعتقد أن المدارس هي المنبع الأول والمناسب لغرس هذه القيمة الإنسانية الجميلة. الموضوع ببساطة ليس واجباً أن تساعد أحداً، ولا أن تحمي أحداً، ولكن ساعد نفسك، واحمها من الانزلاق نحو الأخلاق المؤذية للناس.

Email