أزمة الطاقة والفُرصة الليبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط كل هذه الأجواء والصراعات والمتغيرات المتلاحقة عالمياً، جراء الحرب الروسية - الأوكرانية، سألت نفسي: لماذا لا تكون تداعيات هذه الحرب بمثابة فرصة أمام الجميع ليعيد حساباته، ويرتب أوراقه من جديد؟! ثم واصلت متسائلاً، على وجه الخصوص: هل يمكن أن تكون هذه الحرب فرصة لليبيا؟

بمعنى أن الحرب أفرزت معادلات جديدة على العالم، وبات يمر بأزمات كبرى، وفي مقدمتها، استدامة إمدادات الطاقة، وبالتالي السؤال حول ليبيا منطقي، سيما أنها الدولة الأكبر في قارة أفريقيا، من حيث احتياطيات النفط والغاز، وتحتل المرتبة التاسعة بين العشرة الكبار، في مخزونات الطاقة.

فضلاً عن أن التقديرات تقول: إن بلاد عمر المختار، قادرة على الوصول بالإنتاجية إلى 3 ملايين برميل يومياً، كما أن هناك عاملاً حيوياً وفاعلاً يمثل قيمة مضافة للنفط الليبي، باعتباره الأقرب جغرافياً، والأقل تكلفة في النقل والاستخراج، ناهيك عن أن النفط الليبي هو الأفضل عالمياً، بوصفه من نوع النفط الخفيف.

هذه الامتيازات التي يتمتع بها النفط والغاز الليبي، هي التي دفعت إلى تلك التساؤلات وغيرها من علامات الاستفهام، وهو الأمر الذي يضعنا أمام فرصة، تحتاج إلى الاستفادة منها، وتوظيفها لصالح استقرار الدولة الليبية، وإنهاء عشرية تخريبية وفوضوية سوداء منذ عام 2011 تركت بصماتها وأحدثت تصدعات كبرى لا تزال تأثيراتها السلبية قائمة.

هذه الفرصة السانحة الآن تحتاج إلى توافق دولي وإرادة ليبية، التوافق الدولي يتمثل في النظر والتعامل مع النفط والغاز الليبي، باعتباره الفرصة المثالية، وأحد البدائل المهمة لسد حاجة أوروبا، في سعيها لتوفير مصادر جديدة لتعويض النفط والغاز والفحم واليورانيوم الروسي.

وهذا يتطلب القيام بعمل سلسلة من الخطوات السياسية والفنية، فعلى المستوى الفني يجب أن تكون هناك استثمارات أوروبية ضخمة، في مجال صيانة آبار النفط والغاز للوصول إلى المعدل الأقصى للإنتاج، بعد أن تضررت هذه المعدلات بسبب الإهمال طوال العقد الماضي، بالإضافة إلى الإسراع بتفعيل مشروعات بناء وتجهيز خطوط مزيد من الغاز الليبي إلى الشبكة الأوروبية للغاز عن طريق إيطاليا.

أما الخطوات السياسية، فهي تتطلب الضغط على كل المكونات السياسية الليبية، بتحييد الطاقة بعيداً عن الصراعات السياسية، والبحث عن صيغ مشتركة، تضمن استفادة كل فئات الشعب الليبي من عوائد هذه الطاقة.

إذا كان ذلك هو المطلوب دولياً، فإننا أيضاً لا بد أن نتوقف أمام ضرورة وجود إرادة ليبية، ودورها كمحرك أساسي لاستثمار هذه الفرصة على المستوى الداخلي، في تحقيق نهضة اقتصادية وإعادة الإعمار، وتوفير جميع احتياجات الشعب، فمن دون إرادة الليبيين أنفسهم، لا يمكن البناء على استثمار أي فرصة، أو الأمل في الحصول على تعاطف ودعم من المجتمع الدولي.

ما بين الإرادة الليبية، والحاجة الدولية للنفط والغاز، نقف في اختبار حقيقي كاشف لمن يريد تحقيق الاستقرار، واستكمال بناء مؤسسات الدولة الوطنية، دستورياً وقانونياً، لكي تعود ليبيا دولة مستقرة لها دستور ورئيس منتخب.

من ناحية أخرى، فإن دول الجوار الأوروبي في حاجة شديدة لتفعيل هذه الفرصة لخدمة مصالحها، والحفاظ على معدلات النمو الصناعي في أوروبا، وهو الأمر الذي يتطلب من الليبيين الالتفاف حول هذه الفرصة، وتسويقها عالمياً، وتقديم جميع التسهيلات المطلوبة، لكي تتمكن ليبيا وشعبها من جني الثمار السياسية والاقتصادية، جراء الثروة الهائلة التي تتمتع بها.

فرصة أن تصبح ليبيا مصدراً للنفط والغاز لأوروبا، هي فرصة حقيقية ربما لا تتكرر، وبالتالي يجب ألا تتحول إلى فرصة ضائعة.

Email