حتّى يُرَدَّ كيد أعداء تونس في نحورهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتطوّر الأحداث في تونس وتتسارع وتيرتها وكلّها تصبّ في مزيد من الغموض الذي بدأت تداعياته السلبية تخيّم على المجتمع وعلى الواقع المعيشي للمواطن التونسي.

عديدة هي المؤشّرات الدالّة على تصاعد وتيرة الأزمة الاقتصادية والسياسية، وهو ما قد يفتح باب الحراك المجتمعي الغاضب والرّافض أن يتمّ رهن القوت اليومي للمواطن التونسي بطموحات وأحلام بعض السياسيين الذين لا همّ لهم سوى تعبيد الطرق في سبيل نيل السلطة والاستمتاع بجبروتها.

وقد كان جموع المواطنين التونسيين رأوا في حركة 25 يوليو 2021 التصحيحية -التي توّج بها رئيس الجمهورية قيس سعيّد الحراك المجتمعي الرافض لـ«النهضة الإخوانية» -، ملاذاً آمناً يقيهم تداعيات عشرية الدمار والفشل التي كادت تودي بمقدّرات تونس ونموذجها الحضاري المتفرّد، غير أنّ الأمل الذي عُقِدَ على حركة 25 يوليو بدأ فيما يبدو بالتلاشي نتيجة غياب رؤية واضحة تشاركية تؤسّس لمرحلة جديدة تعود بالخير والبركة على تونس والتونسيين.

وإنّ إصرار الرئيس قيس سعيّد على المضيّ وحيداً في الطريق الذي رسمه لتونس ولمستقبلها السياسي، فتح الباب مشرعاً لمحترفي التحايل السياسي وعلى رأسهم حركة النهضة الإخوانية وبعض السائرين في ركابها من الانتهازيين الذين احترفوا السير مع كلّ من فتح أمامهم باب الاسترزاق بالسلطة مهما كان الموقع هامشياً، لإعادة التموقع وربّما محاولة الرجوع إلى الحُكْمِ.

ومع الأيام والشهور بدا واضحاً أنّ قناعة الرئيس قيس سعيّد ورؤيته التي لا يفصح عنها بالكامل أبداً، ثابتة ولا تتغيّر، وبدا أيضاً أنّ التفاعلات والمطالبات والأزمات والحراك المجتمعي وكذلك ردود الفعل الدولية قد تخفّض بعض الشيء في نسق تنفيذه لبرنامجه ولكنّها لا تثنيه مطلقاً عن تحقيق ما يراه صالحاً لوضع برنامجه موضع التطبيق. وبالطبع، لم يكن هذا ليرضي أطراف المشهدين الحزبي والسياسي في تونس، إذ عبّروا وفي أكثر من مناسبة أنّ التشاركية والحوار مع الأطراف الوطنية لا بديل عنهما، وهو الموقف الذي يختزله الاتحاد العام التونسي للشّغل (اتحاد العمّال) والكثير من الأطراف السياسية والحزبية.

وهذه الأطراف التي في أغلبها منخرطة في الحركة التصحيحية لـ25 يوليو2021 صمدت أمام كلّ الضغوطات من خلال رفضها الانضمام والانخراط في أجندة النهضة الإخوانية التي لم تقبل مطلقاً مسألة إزاحتها عن السلطة وهي توظّف كلّ شيء في الداخل التونسي وفي الخارج من أجل استرجاع موقعها في السلطة والحُكْمِ، وذلك ليس من أجل مصلحة تونس والتونسيين، ولكن خدمة لأجندة الإخوان الدولية التي تلقّت ضربات عدّة في مصر وعديد الدول الأخرى.

ولا يبدو أنّ مرور النهضة إلى السرعة القصوى من خلال بعث ما سُمّي «بجبهة الخلاص» التي يقودها شكلاً المعارض التونسي نجيب الشابي، سيسهّل عليها عملية الرجوع إلى السلطة، رغم أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد مازال رافضاً لفكرة مدّ اليد إلى القوى الوطنية دون حسابات وخلفيات إقصائية.

إنّ هذا الوضع دفع ويدفع بالاتحاد العام التونسي للشّغل إلى التحرّك الاستباقي من خلال الدخول في سلسلة لقاءات وحوارات مع الطيف السياسي والمدني، وذلك تمهيداً لاستفاقة منتظرة من الرئيس قيس سعيّد حتّى يلتفت إلى الأطراف التي يستطيع القيام معها بخطوات حاسمة من أجل بناء دولة ديمقراطية وحرّة وفي خدمة جموع التونسيين.

إنّ اللقاء الذي تمّ الجمعة بين الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبّوبي ورئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي هو في لبّ هذه السياسات، وهو من شأنه أن يوسّع دائرة الخبر حول تونس والرئيس قيس سعيّد. ولعلّ الشجاعة التي ميّزت مواقف الاتحاد العام التونسي للشّغل على مدى سنوات، وتحديداً منذ 25 يوليو الماضي، تجسّدت بشكل كبير في مواقف أمينه العام نورالدين الطبّوبي الذي أدلى الجمعة ذاتها بحديث مفصلي إلى أحد المواقع الإلكترونية أكّد فيه رفضه لما سمّي بـ«جبهة الخلاص» التي اعتبرها «فاشلة من تركيبتها» ومجدّداً المواقف ذاته من تبنّي الاتحاد للحركة التصحيحية لـ25 يوليو مع الثبات على الموقف نفسه من مسألتي التشاركية، وضرورة توضيح تفاصيل خريطة الطريق الرئاسية.

إنّ موقف الاتحاد هو الذي تُقاس به التوجّهات السياسية في تونس، وهو محرار البوصلة الوطنية، وهو في الأول والأخير الخطاب الذي تعتمده الجهات الإقليمية والدولية التي من المهمّ التذكير بأنّها لم تطالب مطلقاً بالعودة إلى ما قبل 25 يوليو الماضي.

وقد أكّد الأمين العام التونسي للشّغل نورالدين الطبّوبي في تصريح خاطف لنا، أول من أمس، أنّ «الأمل يحدو الاتحاد وأنّ الاتحاد متمسّك بمواصلة القيام بدوره الوطني حتّى تتجاوز تونس محنتها ويعي الرئيس قيس سعيّد ضرورة التحرّك بمعيّة مجمل القوى الوطنية الصادقة كي لا يكون هذا الهدوء الظاهري المخيّم على تونس هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، وحتّى يُردَّ كيد أعداء تونس في نحورهم».

... ونحن نرى أنّ الرئيس لن يخذل تونس والتونسيين.

Email