كانت أياماً سوداء، وكانت اللعبة صفرية، إما الدولة، وإما الجماعة، شاء المولى عز وجل أن تكون الدولة، وتبقى بجيشها الوطني الصلب، وقادتها المخلصين، وأجهزتها التي رأت في الظلام ما كان يحاك للدولة المصرية وشعبها، بل للمنطقة العربية أجمع.

«الاختيار 3»، ليس مسلسلاً عادياً، لكنه أحداث واقعية، تُقدم للمرة الأولى من خلال عمل درامي، يوثق لأخطر وأهم الفترات في تاريخ مصر الحديث.

الوثائق والمعلومات الخاصة التي يقدمها هذا المسلسل المتفرد الناجح، تكشف جزءاً من واقع، ربما سمعنا عنه، لكن لم نره رأي العين، هذا الواقع يتمثل في اللقاءات الخاصة التي جمعت بين الفريق عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، وبين قيادات الجماعة، والتي دارت خلالها حوارات ونقاشات ومطامع إخوانية، لولا أنها لاقت سداً منيعاً، وحاجزاً وطنياً، مثل الفريق السيسي، لكانت الصورة قد تبدلت، ولكانت الدولة غير الدولة، ولكانت هوية الدولة المصرية وحضارتها قد هوت، وانهارت.

نعم، الوثائق التي كشفها المسلسل، تبعث بداخلنا الاطمئنان الدائم على قوة وصلابة أجهزة الدولة الوطنية، التي أحبطت خطط أخونة الدولة والمنطقة العربية، حاولت هذه الجماعة أن تعبث بمفاصل مؤسسات الدولة، حاولت أن تتغلغل داخل الأجهزة السيادية، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، سأل مرشدها عن سبب عدم التحاق الإخوان بالجيش، ظنوا أن اللحظة قد دانت لهم، وأن هذه الخطوة بمثابة تكتيك يقودهم إلى إستراتيجية أكبر، تمكنهم من السيطرة تدريجياً، على واحدة من أشرف وأهم مؤسسات الدولة، «قواتنا المسلحة»، لكن مرشدهم فوجئ بالرد الوطني القوي من الفريق السيسي، القائد العام للقوات المسلحة آنذاك:

القوات المسلحة، منذ اغتيال الرئيس السادات، وهي حريصة على أن تكون بعيدة عن أي توجهات إخوانية، أو سلفية، أو أي توجهات أخرى، وغير مسموح بهذا الأمر نهائياً في الجيش، وأخطر شيء على الأمن القومي المصري، أن الجيش ينقسم إلى فرق وجماعات، ونحن لن نسمح بذلك، «الجيش ولاؤه لله وللوطن فقط».

أي مستقبل، كان يفكر فيه المرشد، وجماعته لمصر والعرب؟

الحقيقة تقول: إن ما شهدناه، وعشناه، رأي العين، هو جزء من إرهاب الجماعة، التي لا ترى سوى مكتب الإرشاد، ولا حدود لأطماعها، كل تصرفاتها وسلوكها تقول: إننا أمام واقعة اختطاف مكتملة الأركان، لم تكن لتفشل هذه الجماعة ومخططاتها، لولا أن قيض الله لنا، رجالاً مخلصين وطنيين أوفياء مقاتلين على كل الجبهات.

أي دين، وأي إنسانية تلك التي تدفع نائب مرشد الجماعة الإرهابية، المهندس خيرت الشاطر، بأن يدبر خطة لإقالة المشير طنطاوي، فيذهب خياله إلى تدبير شيء يؤلب الرأي العام المصري، ضد المشير طنطاوي، من خلال التخطيط لحادثة رفح، التي راح ضحيتها 16 شهيداً، نعم هؤلاء ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، يفعلون كل شيء، من أجل الوصول إلى أهدافهم التخريبية، لا يمتلكون سوى تنفيذ أوامر النفير العام دون مناقشة، أو إعمال العقل، العناصر في الخلايا والشعب، لا تملك سوى تنفيذ أوامر القتل والتدمير والتخريب، لكن ثمة سؤالاً يطرح نفسه بقوة:

ماذا تقول أجيال الجماعة، بعد أن رأت قادتها بالصوت والصورة، مفضوحين، وهم يخططون لتنفيذ حادث مثل رفح؟ وكيف هي صورة نائب مرشدهم «الشاطر»، وهو متلبس بالصوت والصورة، ويتحدث عن تجسسه على العناصر السلفية، التي كان يتحالف معها من أجل السيطرة والاستحواذ على الحكم والبرلمان؟ ويزيد حديثه بأنه كان يقوم بإبلاغ أمن الدولة ضدهم، ويضيف بأن قناة الجزيرة، هي إحدى الأدوات الرئيسية لمشروع الفوضى الخلاقة، في الدول العربية كلها.

وماذا يكتب التاريخ عن مرشد الجماعة الإرهابية محمد بديع، الذي ظهر صوتاً وصورة، ليقول عن السلفيين: إنهم «شراذم» ولا يمكنه ضمان الاتفاق معهم؟ إنها قمة التناقضات، والأكاذيب التي حكم بها قادة الجماعة أتباعهم، فما بالنا بحكم شعب بأكمله؟

هذه الجماعة ليست لها كلمة، وليس لها عهد، قادتهم مفضوحون، شاهدنا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، صوتاً وصورة حية، وهو يحذر قادة القوات المسلحة من سيطرة الإخوان على البلد، رسالة أبو الفتوح وصلت إلى محدثيه، لكنني أسأل أتباعه في الخلايا والشعب، لا بل أسأل أتباع كل قادة الجماعة الذين فضحتهم الوثائق، وكشفت ضلالاتهم: ما رأيكم في قادتكم؟

 

* رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»