دخلت قاعة الجلسة الحوارية وأنا قلقة بعض الشيء. فالقاعة جديدة والطريق إليها لم أعتده. ورغم أن الوباء أجبرني وغيري على ارتياد «زووم» حتى أصبح سمة من سمات الحياة اليومية، إلا أن هذه المنصة التويترية للحوار لم أسمع عنها من قبل.
قررت التخلي عن البحث واعتناق مبدأ «خير وسيلة للتعلم خوض المضمار والممارسة الفعلية». جلسة حوارية تويترية نظمتها صحيفة «البيان» التي عودتنا على كل ما هو جديد وفريد ومفيد رأستها رئيسة التحرير المبدعة الأستاذة منى بو سمرة وأدارتها باقتدار الأستاذة عائشة سلطان كانت بمثابة إطلالة واقعية واستشرافية على مستقبل العرب في ظل أوضاع الكوكب الراهنة.
وأوضاع الكوكب الراهنة لا تحتمل تجميلاً أو تملك رفاهية التسويف والتأجيل، لا سيما حين يتعلق الأمر بمنطقتنا العربية.
وهكذا، وعلى منصة «تويتر سبيس» أو «مساحة تويتر» الحوارية انطلق حوار صريح رشيق تحدثت وتناقشت فيه كوكبة من الكتاب والمفكرين العرب الذين كانوا أشبه بـ«جامعة دول عربية مصغرة».
«العرب والتاريخ الجديد الذي يجري صنعه الآن» سبع كلمات تمثل عنوان الجلسة وتعكس واقع الأزمة.
فما يجري حولنا الآن من آثار وباء ألم بالكوكب، وحرب دائرة رحاها في أوكرانيا، وضلوع دول العالم الغربي في محاولات متخبطة لتشكيل موقف موحد لدحض ولادة «قطب روسي» جديد، وموقف الصين الغامض الذي يثير هلع الغرب ويؤجج ترقب الشرق ويجعل العالم جالساً على الحافة، جميعها أمور تدفعنا دفعاً إلى مسابقة الزمن من أجل تشكيل كوكبة من الكتاب والمفكرين كانوا أشبه بـ«جامعة دول عربية مصغرة» لكن أكثر واقعية وسرعة لوضع سيناريوهات وتصورات للعرب في ظل التاريخ الجاري صنعه الآن.
والحقيقة أن من أفضل ما سمعت هو الطرح المتعلق بالاتحاد العربي القائم على الاقتصاد. فقد ولى عصر الاتحاد القائم فقط على مشاعر وعواطف، أو قومية وإنسانية، أو حتى تاريخ ولغة ومعتقدات مشتركة.
الواقع والحقيقة والعين المجردة والمنطق المنزه عن الخيال تخبرنا أن العرب لن يحجزوا لأنفسهم مكاناً ومكانة متميزين في التاريخ الجاري صنعه الآن إلا بتكامل اقتصادي قائم على تحقيق صالح ومصالح الجميع.
العرب ليسوا متساوين في القدرات والموارد والخيرات، وهذا أمر طبيعي لا يعيب الفقير ولا يميز الغني. كما أن مصالحهم الوطنية لا تتطابق بالضرورة مع بعضهم البعض، وهذا لا ينتقص من عروبتهم.
التاريخ الجاري صنعه الآن لا مجال فيه للانتظار. إصنع مجدك الآن، واضمن موقعك الآن، وأصلح ما ينبغي إصلاحه الآن. المجد الآن لن يصنعه ارتكان واكتفاء بماض كان مفعماً بالإنجازات. والموقع لن يٌضمن الآن إلا بخطوات فعلية وإجراءات واقعية لا تأخذ في الاعتبار انتظار ما ستسفر عنه «الحرب» من فائزين وخاسرين لتحديد درجة الميل. والإصلاح الآن حتمي.
والإصلاح العربي المرجو لن يتحقق إلا بإنهاء الزواج الفاشل المزمن بين جماعات الإسلام السياسي بدرجاتها بدءاً بجماعة الإخوان مروراً بجمعيات وأحزاب تخلط السياسة بالمعتقد وانتهاءً بـ«داعش» وأبناء عمومها.
عموماً، جلسة «البيان» الحوارية انطلقت من تغريدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قال فيها إن «العالم يمر بمتغيرات كبيرة وموازين جديدة وتحالفات صعبة. لن تكون الغلبة في النهاية إلا للأمم القوية الغنية المتقدمة. ألم يحن للعرب أن يتقاربوا ويتعاونوا ويتفقوا حتى يكون لهم وزن ورأي ومكانة في التاريخ الجديد الذي يُصنع الآن؟».
التاريخ الذي يصنع الآن لن يتسع للعرب إلا بالتقارب والتعاون والاتفاق. والوزن لن يتحقق إلا بذلك، وكذلك التاريخ الذي لن يفسح لنا المجال إلا لو انتهجنا جميعاً النهج الذي يصنع الأمم القوية الغنية المتقدمة.
وإذا كانت الإمارات والسعودية ومصر والبحرين وغيرها من الدول العربية أيقنت ذلك وتحاول جاهدة المضي قدماً في طريق صناعة الأمم القوية عبر تكاتفها وتكاملها وتعاونها، فإن الحاجة اليوم في ظل وباء غير مسار الكوكب ومسيرته وحرب دائرة رحاها هي أقرب ما تكون إلى إعادة هيكلة للكوكب لم تتضح معالمها بعد، فإن الحاجة باتت حتمية لانضمام بقية الدول العربية إلى الطريق الوحيد الضامن والآمن.
وياسلام لو أخذت جامعة الدول العربية زمام الطريق وقررت ألا تكتفي بمواكبة العصر بل باستباقه، فتراجع ميثاقها وتحدث غاياتها وتتحول إلى كيان اقتصادي عربي يعتنق التكامل وينظم التعاون ويجعل من المنطقة العربية منطقة اتحاد عربي يشبه الاتحاد الأوروبي في تنمية القيم المشتركة مع احترام خصوصية الدول وهوياتها مع تشجيع التنمية المتوازنة والمستمر وضمان حرية الحركة للأشخاص والسلع والخدمات ورأس المال. حتماً ستكون النتيجة مبهرة. مرة أخرى، شكراً لـ«البيان» على هذا التبيان.
*كاتبة صحافية مصرية