فلنرضَ بالقليل إنقاذاً للمناخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

ببساطة، ليس دقيقاً ما ذكره الصحفي غلن ميللر في مقاله من أن «استبدال السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بأخرى تستخدم بطاريات أيون الليثيوم سيشكل مساهمة كبرى في مجال تقليص تأثيرات التغير المناخي».

وقد يكون من الصحيح أن قطاع النقل والمواصلات مسؤول عما يقارب الـ30% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، إلا أن «كهربة القطاع، كما يقترح ميللر لن تساهم في إحداث فارق كبير في النسبة المذكورة» أما إذا تساءلنا عن السبب فإن التنقيب عن وتكرير ونقل المواد الخام كما تصنيع البطاريات ونقل وشحن السيارات الكهربائية كلها عوامل تتطلب اعتماد الوقود الأحفوري.

وتعتبر مسؤولة بالتالي عن كم هائل من انبعاثات غاز الدفيئة. أما الطاقة الكهربائية المولدة في الولايات المتحدة، فما يقارب الـ 61% منها مصدره النفط والفحم والغاز الطبيعي، علماً أن مصادر الطاقة النووية والطاقة المائية وكلاهما كارثة بيئية بذاتها فتنتج 25% أخرى. إن تزويد المركبات الكهربائية من الشبكة تلك يبتعد كل البعد عن كونه خالياً من الكربون.

وإذا تم بناء منجم «ثاكر باس» لليثيوم فإن عمليات التنقيب ستقوم بحرق عشرات الآلاف من غالونات الديزل في اليوم كما ستطلق ما يزيد على 150 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون بمعدل سنوي، أي على نحو ما تطلقه مدينة صغيرة من انبعاثات.

أضف إلى أن المعالجة الكيميائية لليثيوم ستتطلب هي الأخرى مدخولات الوقود الأحفوري، لاسيما كميات كبيرة من الكبريت ومصدره معامل تكرير النفط. وإن حرق وقود الديزل واستخدام الكبريت المصهور من مصانع تكرير النفط للتنقيب عن الليثيوم سيفاقم أزمة التغير المناخي.

وإذا قمنا بالأخذ في الاعتبار انبعاثات غاز الدفيئة تلك فإنه من المرجح أن المركبات الكهربائية لن تقلل من الانبعاثات إلا بنقاط مئوية ضئيلة. ويقول ميللر إن منجم «ثاكر باس» لليثيوم مشروع «حميد»، إلا أنه سيقضي تماماً على ما يقارب ستة آلاف فدان من المواطن القديمة لنمو الدغل العشبي أو الشيح في ثاكر باس. أضف على أنه بسبب الطرقات الجديدة ومستوى الضجيج المرتفع، وبقية مصادر الزعزعة لن يعود ممر ثاكر باس بأكمله على الأرجح قابلاً للسكن لعدد من الأجناس التي تعيش هناك حالياً.

وإن وصف منجم كهذا بالحميد أمر لا أخلاقي تماماً بالنظر إلى التأثيرات المدمرة لأعمال التطوير والاستخراج وما ستخلفه على عدد من الأنواع التي تعتبر ثاكر باس موطناً لها، سيما طيور الطيهوج الحكيم المهددة بالانقراض والتي يتعين على مهتمين بالبيئة الاهتمام بها أكثر. ويصف ميللر في مقاله أن منجم «ثاكر باس» لليثيوم سيعمل على تزويد مصانع تيسلا العملاقة حيث تقوم شركة «باناسونيك» بتصنيع وإنتاج البطاريات الخاصة بالمركبات الكهربائية.

وقد أعلنت شركة تيسلا التابعة لإلون مسك أن هدفه يتمحور حول إنتاج 20 مليون سيارة كهربائية في العام بحلول 2030. وبناءً على تخمينات ميللر بأن منجم «ثاكر باس» لليثيوم سينتج 80 ألف طن من مكافىء الليثيوم كربونات سنوياً، و 80 كيلوغراماً من مكافىء الليثيوم كربونات لإنتاج بطارية تيسلا بقوة 100 كيلوواط، فإن ذلك يعني تأمين الليثيوم لـ20 مليون بطارية سيارة سيحتاج لـ 23 منجماً في ثاكر باس.

أما استبدال سيارات وشاحنات الولايات المتحدة الخفيفة الـ 300 مليون سيتطلب 340 منجماً في ثاكر باس. وذلك دون أن نذكر بالطبع مناجم الحديد والنحاس والكوبالت والغرافيت والنيكل وغيرها من المناجم التي ستكون ضرورية كذلك لتأمين المواد لكافة البطاريات.

هل يمكن لنا إذاً أن نتخيل حجم الدمار الذي ستلحقه تلك المناجم بالولايات المتحدة وحول العالم؟ وهل سنقوم بالقضاء على الكوكب بأسره من أجل إنقاذه من التغير المناخي؟ أم أننا سندرك بأن المستقبل الوحيد الذي لا يقتضي تدمير الكوكب يكمن في أن نتعلم كيف نرضى بالقليل.

وذلك بدلاً من إنفاق الطاقة والجهد في محاولة استبدال سيارة بأخرى والقضاء على كمّ من الحياة على الكوكب في الأثناء، علماً أننا سنكون أفضل بكثير إذا ما تعلمنا كيف نعيش بلا سيارات. كثيرون ممن يقرأون المقال أمامهم أجدادهم أو آباء أجدادهم لم يكن لديهم سيارات، ويسعدنا أن نتعلم العيش كما هم مجدداً إذا حاولنا. وهكذا فإننا لن نضطر لأن نشرح لأحفادنا لما انقرضت الأجناس على طريق إنتاج السيارات.

بقلم: إليزابيث روبسون، ناشطة ومؤلفة، صاحبة مقال رأي في «رينو غازيت جورنال»

ترجمة: فاتن صبح

Email