حكمة الإمارات في الأزمات الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتحلى الإمارات بمبادئ وقيم سامية، ومن أبرزها الحكمة في التعامل مع المواقف والظروف والأزمات، والتي اتصف بها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حتى لُقِّب بحكيم العرب، وكانت مواقفه تنضح بالحكمة والنظر الثاقب في التعامل مع القضايا المختلفة، وحمل راية الحكمة من بعده القيادة الحكيمة لدولة الإمارات، والتي أشرقت أنوار حكمتها في شتى المواقف، وخصوصاً ما يتعلق بالصراعات والنزاعات، وكيفية التعامل معها بحكمة، بما يحقق المصالح الاستراتيجية لدولة الإمارات، وبما يعود بالخير على المنطقة والعالم أجمع.

ففي أحداث ما سمي بـ«الربيع العربي» 2011، والتي انجرف فيها كُتَّاب ومثقفون وانخدعوا بها وانساقوا وراء عواطف جامحة وأوهام خداعة كانت نظرة الإمارات نظرة متزنة حكيمة، تدرس المعطيات بعقلانية ومنطق، وتعمل على ما فيه صلاح الدول والشعوب وصلاح المنطقة واستقرارها، ولذلك سعت مع شركائها للتصدي للمخططات التي استهدفت زعزعة أمن واستقرار الدول، وفتح أنفاق مظلمة للصراعات والحروب، وساندت بعض الدول كمصر للخروج من أزمتها، حتى تمكنت بفضل الله من تجاوزها، وقد أكد الواقع صواب هذه النظرة الحكيمة، فها هي بعض الدول كسوريا وليبيا لا تزال تعاني من تداعيات تلك الأحداث، وقد انفتح فيها صنبور الصراعات، ولم يتمكن أحد من إغلاقه إلى يومنا هذا، وهو ما حدا ببعض الكُتاب والمثقفين الذين انخدعوا بسراب الربيع المزعوم إلى أن يعودوا إلى رشدهم، ويوقنوا بأن موقف الإمارات هو الموقف الصائب الحكيم.

إن مظاهر حكمة الإمارات في الأزمات الخارجية كثيرة، فقد بذلت كل مساعيها لتعزيز جهود السلام والاستقرار في النزاعات والصراعات، إيماناً منها بأن الاستقرار ركيزة أساسية لنهضة وتنمية الدول والمجتمعات، وبث الطمأنينة وحفظ الأرواح وتحقيق السعادة للشعوب، وترجمت ذلك واقعاً عملياً مشرقاً، ومن ذلك جهودها في إزالة الخلافات وتحقيق المصالحة بين إريتريا وإثيوبيا، والتي أثمرت عن توقيع اتفاق سلام تاريخي بين البلدين في العاصمة أبوظبي، أعلن عن انتهاء حالة الحرب بينهما، وفتح أمامهما آفاق العلاقات الإيجابية، بما ينعكس ثمراته على شعبي البلدين.

كما أسهمت الإمارات بحكمتها في معالجة العديد من القضايا والأزمات الخارجية، والتي اتخذت أشكالاً وصوراً عدة، فالحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب، ومن ذلك جهودها الحكيمة في التصدي لميليشيا الحوثي في اليمن في عاصفة الحزم جنباً إلى جنب مع شقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية، والتي أسهمت في كبح جماح هذه الميليشيا الإرهابية، التي كانت ولا تزال مصدر خطر لأمن واستقرار المنطقة، وقد ترجمت ذلك بأفعالها الإرهابية في اليمن، وباستهدافها لدول الجوار بالعمليات الإرهابية، فكان هذا التصدي لقوى الظلام ترجمة لمعاني الحكمة، وما يقتضيه الواقع من حزم وشدة إرساءً لدعائم الأمن والاستقرار.

ومن مظاهر الحكمة الإماراتية في الأزمات الخارجية تعاملها الحكيم مع الأزمة الروسية الأوكرانية، هذه الأزمة التي لها أسباب وأبعاد كثيرة على المستويات كافة، وتنفخ فيها أطراف عدة لتحقيق مكاسب لهذا الطرف أو ذاك، فكان موقف الإمارات موقفاً حكيماً، حيث التزمت الحياد في مجلس الأمن، ونأت بنفسها عن الاصطفاف الذي يؤجج هذا الصراع ويزيده اشتعالاً ويوسع نطاقه، ودعت إلى إطفاء هذه النيران، وخفض التصعيد بشكل فوري، وفتح قنوات الحوار، وطالبت بحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إليهم، وأكدت في المحافل وفي اتصالاتها ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية وحل سلمي للأزمة بما يضمن مصالح كافة الأطراف وأمنها القومي.

إن هذا الموقف الحكيم ينبع من رؤية ثاقبة للأحداث، وتحليل دقيق لها، ويعبر عن رسالة الإمارات في تعزيز السلام والاستقرار، ورؤيتها في إطفاء الصراعات، والبعد عن كل ما يؤججها، والنأي بالنفس عن الاصطفاف السلبي الذي يزيد النار اشتعالاً، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فكم أدى النفخ والتصعيد والاصطفاف في مثل هذه الصراعات إلى حروب مهولة، راح ضحاياها الملايين من البشر، والعاقل من يستفيد من ذلك ويعتبر، ويسعى بحكمة لإنهاء الحروب والصراعات، ويكون دوره إيجابياً في تعزيز الحلول السلمية.

إن الإمارات منارة مشرقة بحكمتها في التعامل مع الأزمات الخارجية، ونموذج ملهم في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

 

* كاتب إماراتي

Email