«نفايات» الإبداع التسويقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو نبشنا في سلال نفايات البيوت والأسر على امتداد الكرة الأرضية، وحاولنا تصنيف محتوياتها، لوجدنا أن نسبة كبيرة منها هي «نفايات إبداعية»، أو «ثقافية» ما شئتم تسميتها، وأنها في عمومها لا تلبي معايير الاستدامة.

ولا تخدم التوجهات الشاملة في الحفاظ على البيئة.

الأمر التالي المهم، هنا، هو أن هذه «النفايات» لا تدخل في عداد الإرث الثقافي الإنساني المستدام، (فهي ليست لوحات فنية، ولا أفلاماً سينمائية، أو كتباً ومشغولات حرفية وتراثية.. إلخ). وهي «ثقافية»، لأنها، كلها، بالإجمال، تتضمن تصاميم وصوراً ورسوماً ونصوصاً مكتوبة، ابتكرت وصنعت بأدوات وأساليب إبداعية، وتعكس ثقافات محددة، تروج لأنماط حياة معينة.

الحديث يجري، هنا، عن كل تلك الملحقات والإضافات اللازمة لتسويق وترويج وتوزيع المنتجات الاستهلاكية اليومية. ويشمل هذا أنواعاً لا حصر لها من ألوان التغليف والتعليب والملصقات، التي تؤدي وظائف تسويقية وتمثل نوعاً من الدعاية، وتؤكد العلامات التجارية الصانعة والمسوقة. هذا بالطبع إلى جانب وظائفها الموضوعية من حفظ لتلك المنتجات، والتعريف بها وبصلاحيتها وطرق استخدامها الأمثل.

والواقع أن ما نتحدث عنه، هنا، هو في الحقيقة «نفايات ثقافية»، أو «إبداعية»، غير قابلة للتدوير، متخلفة عن «منتجات استهلاكية»، وهو ما يصطدم بمفاهيم الاقتصاد الثقافي، أو «البرتقالي»، التي تؤكد الحوكمة والاستدامة.

ومن المؤسف، بالطبع، أنه ليس لدينا إحصاءات، ولو تقديرية، معروفة، عن حجم هذه «النفايات» التي يخلفها الاستهلاك اليومي، أو مقدار ما يتسرب منها إلى البيئة، لكننا نعرف أن «صناعة التعبئة والتغليف» العالمية، نفسها، تناهز تريليون دولار أمريكي. أما حجم «النفايات الثقافية» الناجمة عن هذه الصناعة، فيمكن تقديره بنظرة سريعة إلى ما تعرضه واجهات البيع في المتاجر، ومما يتبقى من علبة حلوى صغيرة يستهلكها طفل.

حقيقة أخرى بهذا الشأن تتمثل في أن منشأ هذه «النفايات الثقافية» يعود إلى دول صناعية واقتصادات قوية، وأخرى صاعدة. وحتى عندما تمتلك هذه «النفايات» منشأ محلياً، فإنها تبقى أصلها مخلفات بقيت من منتجات صنعت محلياً في سياق امتياز تجاري من تلك المناشئ نفسها. والأهم أنها في أصلها تعود إلى أنماط استهلاك وأساليب تسويق وترويج، ابتكرت في تلك المناشئ نفسها.

اليوم، تتيح التطورات في مجال التكنولوجيا، والطفرة الرقمية الهائلة، وكذلك الاهتمام العالمي المتزايد بمعايير الاستدامة والبيئة، إعادة النظر في هذا الجانب الحيوي، باتجاه البحث عن منتجات استهلاكية تخلف «نفايات ثقافية» أقل.

وفي هذا السياق، بالذات، يمكن فهم التوجه الذي اعتمدته دولة الإمارات بفرض رسوم على الأكياس البلاستيكية، وتشجيع استخدام مثيلتها متعددة الاستخدام.

في الواقع، قد تكون هذه الخطوة الإماراتية بداية أولى، لكنها، بكل المقاييس، تعبر عن توجه كبير يأتي في سياق تعزيز وتمكين «الاقتصاد البرتقالي»، وتحويل «النفايات الثقافية» إلى مخلفات حميدة.

وبهذا، يمكن القول إن «الاقتصاد البرتقالي» يشكل على مستوى العالم فرصة كبيرة لتعديل أنماط الاستهلاك الضارة، وصولاً إلى معادلة استخدام أمثل للموارد.

Email