لا تنتظروا حلاً ليبياً من الخارج

ت + ت - الحجم الطبيعي

المشهد لم يعد مطمئناً، المخاوف تزحف بقوة، الأوراق تختلط. العناد السياسي بات سيد الموقف في ليبيا. مجلس النواب اختار فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الجديدة، عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة السابقة يرفض التخلي عن منصبه، بل إنه يدعو إلى انتخابات برلمانية في شهر يونيو المقبل، وإنه خلال عام سيتم إنجاز دستور جديد للبلاد.

نحن أمام صراع بين حكومتين ومؤشرات انقسام. تخوفات كبرى من صدام وشيك. فك شفرة الأزمة على عهدة مصراتة، باشاغا والدبيبة ابنا مدينة واحدة، كل يمتلك أوراقه. صراع النفوذ والإرادة يفرض نفسه، إلى أين وكيف يتم فك الاشتباك؟ هذا هو السؤال المعضلة.

الأزمة الليبية تعود إلى المربع صفر، الطريق إلى مقعد رئيس الحكومة مليء بالمطبات. وساطات يقودها رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي بين الدبيبة وباشاغا.. نتائجها ليست محسومة، بعثة الأمم المتحدة لم تنكر مخاوفها من بقاء الأوضاع في ظل حكومتين.

كل الشواهد تقول إن الخلافات تتصاعد، خريطة الطريق تفقد ملامحها، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح يواصل مساعيه مطالباً بالمصالحة الوطنية باعتبارها أساس الحل، وترسيخ الثقة بين شرق البلاد وغربها، حتى تصل إلى محطة الاستقرار. اللحظة كاشفة.. غابت المصلحة العامة، مفاتيح الاستقرار لم تعد مناسبة لأبواب إنهاء الخلافات والفوضى، حالة التفكيك التي تعيشها الدولة الليبية لا تحتمل مزيداً من الانسداد السياسي. الاستمرار في وجود حكومتين متوازيتين أمر يساوي الصدام المؤكد، ويكرس لحال تشظّ غير مسبوقة بين المؤسسات الليبية، فعلى سبيل المثال: هل يمتثل المصرف الليبي لقرارات الحكومة الجديدة؟ وماذا يحدث في حال رفض المصرف التعامل معها؟ هذا السؤال.. مركزي على طاولة تقدير الموقف في تمكين الحكومة الجديدة! كيف يكون المشهد إذا تمسك الدبيبة برأيه، ورفض تسليم سلطة الحكومة؟ أين تقف الميليشيات؟ وكيف يتم التعامل معها؟ وما الإجراءات المتوقعة من المجتمع الدولي؟ وإلى أين تصل انقسامات الشارع الليبي؟ وإلى أي مدى تصل صلاحيات مجلس النواب في التعامل مع هذه الأزمة؟ أم أن ليبيا ستظل تحت سياسة الأمر الواقع؟!

من المؤكد أن ليبيا التي نعرفها دولة لا تقبل أن تعيش بين رحى التقسيم والتمزيق، طال صبر الشعب الليبي، لم يتبق في قوس الصبر منزع، إما عودة ليبيا الدولة، وإما استمرار ليبيا الساحة. لا بديل عن الحل السياسي، ولا مناص من إخراج الميليشيات والمرتزقة والتنظيمات الإرهابية، والجماعات المأجورة، الانطلاق من المصالحة الوطنية هو أحد أهم المسارات التي تضع البلاد على الطريق نحو مستقبل أفضل، السمو فوق الصراعات والخلافات الشخصية، وإعلاء المصلحة العامة للبلاد هو النقطة المركزية الكاشفة لنيات أطراف الأزمة، كما أنه يجب عدم الارتكان لأي دعم من قوى خارجية، فهذه القوى لديها مصلحة في استمرار الأزمة وإطالة أمدها، فضلاً عن أنه حال توصل الليبيين أنفسهم إلى قرار متفق عليه ورؤية واحدة فإنه سيكون نصراً كبيراً لا تستطيع أي قوى خارجية تغييره، خريطة الطريق ستسير في مسارها الصحيح، كما أن توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، واحترام قرارات البرلمان الليبي باعتباره المؤسسة التي تُعبر عن الشعب الليبي أمر صار في منتهى الأهمية، إذا ما كانت المكونات السياسية جادة في إنقاذ القضية، ناهيك عن أن سوء الأوضاع وتفاقم الأزمات يفتح الباب على مصراعيه للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «داعش»، للتمدد داخل المجتمع الليبي مثلما يحدث الآن في الجنوب، لا سيما بعد انسحاب فرنسا والدول الأوروبية من دولة مالي القريبة من الحدود الجنوبية الليبية.

الحاصل الآن في الواقع الليبي سيناريو تشاؤمي، المشهد مرشح لمزيد من الانقسام، الحل لن يكون سوى بإرادة ليبية – ليبية، سيناريوهات عديدة مفتوحة، لكن السيناريو الوحيد الذي ينقذ الدولة الليبية هو إحكام العقل والحكمة والرشد السياسي بين جميع أطراف الأزمة للعبور بليبيا، وإما أن القضية ستدخل في نفق مظلم، الخروج منه سيكلف الشعب ما تبقى.

 

رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي*

 

Email