الأزمة الأوكرانية الروسية.. معركة كسر العظم

ت + ت - الحجم الطبيعي

نقلت بعض وكالات الأنباء العالمية الأسبوع الماضي تصريحات للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتسمت بالاستياء من مستوى الدعم الغربي - الأمريكي لبلاده في الأزمة الحالية مع روسيا، التي على الأرجح لم ترتق إلى ما كان يتوقعه، كما ضمن تلك التصريحات انتقاده الواضح إلى التباطؤ الذي اعترى عملية الدعم المقدم، معتبراً أن ما قدم هو «واجب وليست مساعدات خيرية» فأوكرانيا اليوم تمثل «الجدار الواقي لأمن دول أوروبا كلها» حسبما قال.

ورأى المحللون السياسيون بأن تصريحات الرئيس الأوكراني الشاب زيلينسكي فيها نوع من التنبه المبكر لما قد يفضي إليه الاعتماد الكلي على الحلفاء الغربيين لا سيما الولايات المتحدة، حيث أثبت التاريخ أن تجارب أمريكا مع حلفائها حول العالم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالدعم والوقوف معهم أثناء الأزمات الحادة، كانت غير مشجعة بل يعتريها شيء من الفتور ينبئ بعدم الجدية اللازمة في مثل هذه المواقف المفصلية.

ورغم التصعيد الهائل للأزمة الأوكرانية الروسية، والمناورات التي يجريها الطرفان بمختلف الأسلحة، إلا أن ثمة محللين يؤكدون أن الحرب بين البلدين لن تقع، وإن وقعت فإنها لن تكون بذلك الاتساع الذي يروج له الإعلام الغربي تحديداً، معتمدين في ذلك على أسباب عدة منها: أن الحرب إذا ما نشبت بغض النظر عن حجمها، فإنها سوف تكون على أرض أوروبية، وهو أمر غير مقبول، بل لا يجب أن يحدث؛ فتاريخ الصراعات المسلحة التي وقعت في العصر الحديث - بعد الحرب العالمية الثانية 1945 - يفيد أن أغلب الحروب التي وقعت في أنحاء العالم، لم يقع أي منها على أرض أوروبية - باستثناء الحرب في يوغسلافيا «2001-1991»، بل كانت تنشب وتدار عبر وكلاء في تلك الأماكن آسيوية كانت أو أفريقية، ما جعل أن يكون أي تهويل إعلامي وتصعيد سياسي سمة من سمات إدارة الأزمات والحروب بنسختها الرابعة في العصر الحديث.

وهنالك مثال آخر يصلح في هذا السياق وله علاقة بسمة التهويل التي تجعل الكثير من المحللين يتورطون في تحليلات وإرهاصات ليست دقيقة ولا يصح منها سوى النذر القليل أحياناً، والمثال هو الاتفاق النووي الإيراني الذي قد يعلن التوقيع عليه في غضون الساعات أو الأيام المعدودة المقبلة، فالجميع يذكر حجم التصريحات التي كانت متسمة باليأس والتشاؤم ثم انتقلت إلى طور بدت فيه متوترة ومنذرة وفجأة فترت لهجتها وهدأت لتقترب من التفاؤل إلى أن وصلت وجهات النظر حد التطابق بين الأطراف في فيينا. إن الحروب تبدأ إعلامية قبل أن تكون عسكرية مسلحة في الميدان، ويتذكر الجميع ما حدث من حرب على الشاشات أولاً، بدءاً من يوغسلافيا وأفغانستان وليبيا والعراق.

إن الأزمة الأوكرانية الروسية قد تأخذ في أية لحظة منحى آخر خطيراً، فحرب كسر الإرادات جار على قدم وساق بين الخبرة السياسية والعسكرية تمثلها روسيا، وبين أوكرانيا التي قد تمتلك القوة العسكرية والإرادة القتالية لكنها تبقى ضعيفة تعوزها الرؤية السياسية على المدى البعيد في هذه الأزمة تحديداً، بمعنى آخر: إنها تتقدم باتجاه صراع لا تضمن فيه نجاح كامل، وتدرك أن جزءاً كبيراً من محفزاتها بهذا الاتجاه آت من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة. وبالمقابل، فإن هذا لا يعني بالنسبة لمحللين كثر أن روسيا تمتلك الحق في ما اتخذته من خطوات حتى الآن تجاه جارة الأمس التليد. خلاصة القول: يبدو أننا نعيش في عالم مراسم الدفن فيه أكثر أهمية من الموتى.

Email