الحرب كريهة لا يحبها عاقل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتحدث البعض عن حرب توشك أن تندلع بين روسيا وأوكرانيا، والبعض يستبعد وقوعها وله مبرراته. ولكنْ بعض ثالث يتحدث عن أمور مهمة قد تقع فيما لو وقعت الحرب فعلاً، والتي لا يزال الكثير من المراقبين لا يعلمون بحقيقة أسبابها والنتائج التي يجنيها المنتصر فيها. وهذا «البعض الثالث» يتحدث عن قرب ارتفاع أسعار الغذاء في العالم، وخاصة الحبوب، بسبب قرب مزارع إنتاجها من المناطق الحدودية الروسية الأوكرانية، المرشحة (أقله غربياً) لأن تكون النقطة التي سوف تنطلق منها شرارة الحرب بين صديقي الماضي القريب، ومن خلفهما الحلفاء والأعداء على حد سواء، وذلك وفقاً لما تطيّره بعض وكالات الأنباء، والغريب أن تقارير كهذه تأتي بعدما هدأت وتيرة ضخ الأخبار بشأن جائحة كورونا وفيروسها الأخير أوميكرون، وشيوع الأمل في نفوس سكان الأرض أن الوباء بدأ بانحساره التدريجي، ما شجع بعضاً من دول العالم لتبدأ بإجراءات استعادة الحياة الطبيعة لشعوبها، ورفع القيود عنها تدريجياً لاسترداد أنفاسها بعد انحباس، وعافيتها التي أضر بها الخوف لدى البعض، أكثر من الزيارة الفعلية لفيروس كورونا. 

ولكن السؤال المشروع طرحه: هل كان الخروج من جائحة كورونا، التي مرّ عليها رابضةً على صدور الناس عدة سنوات، هو الدخول (المتوقع) في حرب طاحنة؟ هل هذا أمر اعتيادي؟ 

إذا كان ذلك اعتيادياً، والأمر مشكوك فيه، فإنه يحق للمراقب طرح السؤال التالي: بعد أن تبدأ وتنتهي الحرب الموعودة، بغض النظر عن نتيجتها، هل هنالك ما ينتظر الناس من مفاجآت مفزعة تقض مضاجعهم من جديد، وتفت في البقية الباقية من طاقتهم النفسية المقاومة، وخاصة أنهم تعوّدوا سماع الأخبار المؤذية، ولم يعد بمقدورهم إيقاف مصادر تلك الأخبار من قنوات فضائية ووسائل إعلام أخرى، وخاصة الإعلام الجديد الذي تمثله وسائل التواصل الاجتماعي؟ 

كثير من المهتمين بالحرب الروسية الأوكرانية المتوقعة، التي طغت أخبارها على كل ما عداها من أحداث، يتوقعون أن في الأفق شيئاً جديداً مقبلاً، وما الحرب التي يروج لها الإعلام الغربي إلا واجهة أو ستار يتلطّى خلفه ما هو أكبر، ويحمل تنغيصاً جديداً للناس الذين يحضرون للاحتفال بدحر الجائحة والانتصار عليها.

ولكن بعيداً عن هذه التنبؤات التي يأمل المرء ألّا يتحقق منها شيء، تظل الحرب كريهة وآلامها المحزنة لا تبرح الإنسان والمكان، ولا يعتقد أن هنالك دولة في العالم تتمتع بقدر من العقل والحكمة والبصيرة، أو المسؤولية بجانبها الإنساني قبل القيادي، والوعي بالتاريخ وأحداثه وأسبابه ونتائجه، سوف تفكر في الدخول في حرب أو تكون طرفاً فيها، مهما عظمت دوافعها واشتدت ضغوطها، وأياً كان حجمها، صغيرة كانت أو متوسطة أو كبيرة، فالحرب بحد ذاتها خسارة محتمة لكلا المتحاربين، والانتصار الوحيد فيها، إن كان هنالك من انتصار، فسيكون هلاك الطرفين وتدمير كل ما بنوه وامتلكوه وحلموا به من رغد على مر العصور والدهور. 

إن الحرب وسيلة السياسي العاجز الذي لم تسعفه حكمته وفطنته أن يتجنبها وينجو بشعبه من أوارها. هي باختصار دماء مسفوكة، وأوبئة مستوطنة، وتخلّفٌ في التنمية، وشلل في مناحي الحياة كلها، وقد لا يبقى بعد الحرب، على أرض الطرفين، ما يستحق أن يعاش من أجله. 

مقطع القول: إن لم يكن للماضي ما يقوله للحاضر من حكمة، فيمكن للشيطان عندها أن يبقى نائماً، من دون إزعاج، في إرجاء الأرض اليباب.

Email