الثقوب تهدد العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما إن يستعيد العراق عافيته، حتى تلاحقه تحديات جديدة ومكثفة. مآرب وأهداف عدة، تسعى لعرقلة العراق، ترفض عودة مؤسساته، جغرافيته باتت ساحة لصراع المصالح الإقليمية والدولية، الأشواط التي قطعتها حكومة العراق برئاسة الدكتور مصطفى الكاظمي، كانت أشواطاً مهمة وفاصلة.

الرجل نجح بامتياز في «جبر» الكسور التي أحدثتها أيام الفوضى والتخريب، ومشارط تقسيم الخرائط. انتبه جيداً منذ توليه المسؤولية، للتحديات التي تواجه شعبه، فحرص على المبادرة والمبادأة لتوفير البيئة السياسية المناسبة، لإعادة انطلاق بلاد الرافدين.

واجهته تحديات كثيرة، وصلت إلى حد محاولة اغتياله بواسطة الطائرات المسيرة، لم يهتز ولم يستسلم، بل واصل صموده وثباته، تمكن عبر توليه المهمة، من فتح مسارات الأمل، بين بغداد ومحيطها العربي، الإنجازات والخطوات التي حققتها حكومة الكاظمي، تحتاج إلى الحفاظ والبناء عليها.

العراق الآن على موعد مع مشهد ومرحلة جديدة. تمت انتخابات البرلمان العراقي، قالت صناديق الاقتراع كلمتها. القوى السياسية أفصحت عن رغباتها، نحن بصدد التصويت البرلماني لاختيار الرئيس ورئيس الحكومة.

التوقيت فارق التصويت على اختيار الرئيس، لم يتم في الموعد الذي كان مقرراً له يوم الاثنين الماضي، لم يكتمل النصاب القانوني في البرلمان. تمت الدعوة من جديد، لفتح باب الترشح لمنصب الرئيس. استثمار عنصر الوقت أمر مهم في حسم المسارات التي تتدفق في المشهد العراقي.

بغداد لن تقبل العودة إلى الوراء، ثمة ثقوب باتت تهدد العراق، تتسع مساحة هذه الثقوب، كلما طال الصمت والسكوت عليها، «داعش» تحاول التمدد والعودة مجدداً في المناطق العراقية الرخوة، التنظيم يحاول الاستفادة من تجاربه السابقة، ويسعى لملء أي مساحات أو فراغات أمنية أو استراتيجية أو سياسية، الخلافات بين المكونات العراقية، قطعاً تصب في مصلحة التنظيم الإرهابي، لا تحتاج إلى دليل يؤكد ذلك، استطاع «داعش» أن يقتل 11 جندياً عراقياً في محافظة ديالى.

وتمكن من تنفيذ عمليات جريئة لأول مرة في قلب بغداد، بل وصل بهم الحد، إلى استثمار أموال التنظيم في شركات الصرافة، وفق ما كشفه أحدث تقارير الأمم المتحدة عن «داعش»، هذه التحركات الداعشية، واحدة من الثقوب التي لا يستهان بها، ويجب رتقها سياسياً في توقيت مبكر.

بجانب «داعش»، تظهر ثقوب أخرى، لا تقل خطورة، في محاولة وحسابات الاستقرار. تابعنا الأيام الماضية، الهجوم الإرهابي على مطار بغداد، ومنزل رئيس البرلمان، الرسالة في هذا التوقيت، لها دلالاتها. هناك من له مصلحة في شد أطراف الدولة العراقية إلى الوراء، وعدم المضي قدماً في استكمال اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بعض الأطراف تسعى.

لأن يظل العراق مقيماً في الماضي. أطراف تصنع الأزمة، وتخطط ليلاً للفوضى، تضبط ساعتها على توقيت الانفجارات والمصالح المعادية للاستقرار، هذه الأطراف، تعمل وفق جدول أعمال، يهدف إلى توطين القلاقل، والتأزيم، وعدم الاستقرار في الداخل العراقي، حتى لا يتمكن العراق من الانتقال من مربع «الساحة»، إلى مربع الدولة.

أخطر التحديات والثقوب الأخرى، تلك التي تتعلق بالضرورات الحياتية والخدمية للمواطن، فكلما ازدادت القلاقل، انشغل السياسيون بخلافاتهم، تراجعت قدرة الدولة على تقديم ما يحتاجه الشعب العراقي من ضرورات وخدمات حياتية ضاغطة، وهذه الظروف، هي البيئة المناسبة التي تقفز من خلالها التنظيمات الإرهابية، ووكلاء القوى الخارجية، لتحويل الاستقرار إلى فوضى، ورفع أجهزة التعافي عن مؤسسات الدولة.

وسط هذه الثقوب، التي تظهر على ملامح المشهد العراقي، فإننا في حاجة إلى الانطلاق من مسارات مركزية مهمة، لكي يستطيع العراق العبور والانتقال إلى مرحلة الاستقرار الكامل، أول هذه المسارات، هي السمو السياسي، وإعلاء المصلحة العامة على الخلافات الشخصية والحزبية.

وتقديم جميع أشكال الدعم للجيش العراقي، بما يمكنه من مواجهة التنظيمات الإرهابية والمجموعات المسلحة، وضع خطة تنموية على مرحلتين، الأولى عاجلة، والثانية استراتيجية، بهدف توفير الخدمات والاحتياجات الضرورية للمواطن العراقي، لا سيما أن الظروف مواتية لهذا النوع من التحرك، خصوصاً بعد ارتفاع سعر برميل النفط فوق 90 دولاراً.

هذا فضلاً عن ضرورة التحرك والدعم العربي الكامل وغير المشروط لاستقرار العراق، فكلما كان العراق قوياً، انعكس ذلك إيجابياً على استقرار الأمن القومي العربي.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

 

Email