لماذا الكذب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يلجأ البعض لمحاولة تزيين واقع حياتهم المريرة ببعض الأكاذيب، والتي يحاولون من خلالها أن يظهروا أمام الناس وهم في أحسن حال، البعض الآخر يكذب لكي يقال عنه: إنه مميز وذكي، وآخرون يكذبون حتى يعوضوا نقصاً يشعرون به، ولكن الملاحظة الجديرة بالتأمل أنه في تعاملاتنا الحياتية اليومية تدهشك بعض المواقف، وتستغرب أيضاً بعض الأحداث، فعلى سبيل المثال لم تعد أشكال من الصداقات، التي تقوم على المنافع المتبادلة تثير لدينا أي تساؤل أو استغراب، بل هناك من يعد مثل هذه التعاملات، التي تقوم على المصلحة المتبادلة نوعاً من النجاح الاجتماعي، وأنها ذكاء وتميز. 

أقول: إن مثل هذه الأمور – في صميمها لا تعدو أن تكون أكاذيب - ولم تعد محل دهشة أو استنكار، لأن من بات يمارسها هم في الحقيقة نحن «دون تعميم»، ففي بعض ما نظهره نوع من الهروب من الواقع، الذي تتمثل فيه الحقيقة بكل قوة ووضوح، وببساطة قد نكذب لأننا أضعف من مواجهة الآخرين. نحن نكذب، لأننا نقلد بعضنا بعضاً بكل الأخطاء والعيوب، ونكذب لأننا نعتقد أن التقليد أسلم الطرق وأبسطها وأسهلها. رغم هذا تستمر الحياة برتابتها وبكل الاعتياد الممكن، لكن الذي يؤلم في مسيرة الكذب أنه دخل بكل تفاصيله الغامضة، وأنواعه البغيضة حتى في أدق تفاصيل الحياة. دخل بين الأحبة «بين الأزواج»، فماذا فعل الكذب ؟ دمّر أُسراً، وشتت عائلات، ليس هذا وحسب، بل إن الكذب سبب تصدعاً لأي علاقة إنسانية، حتى العلاقة العاطفية عندما تهيمن على بعض أجزائها الأكاذيب فإنها سرعان ما تنهار، والسبب أنها قامت على الخداع والتزوير والغموض، بينما العلاقات الإنسانية القويمة الصحيحة تقوم على التوازن والوضوح والشفافية. الكذب ببساطة يتنافى مع الثقة، ومع الإخلاص، فضلاً على تنافيه مع الأخلاق، ويظل السؤال قائماً لماذا نكذب؟ وهو رغم بساطته إلا أنه عميق وصعب. لا أعلم ما هي الحاجة التي تجبرنا على الكذب؟ ما هي الأسباب التي تدفعنا أن نكذب؟ كيف يتسنى لرجل أن يكذب على شريكة حياته، أو كيف لامرأة أن تكذب على زوجها؟ كيف نمارس كل هذا الغموض في حياتنا تجاه من نحب أو نعتقد أو ندّعي حبهم.. وقبل كل هذا وبعده، لنسأل ما الذي فعلاً يدفعنا، ويلزمنا أن نمارس الكذب؟ لماذا نقول أموراً غير حقيقية؟ ونهبط إنسانياً وأخلاقياً، ونرتقي بالأوهام والخداع ؟

Email