خطر التغريب الفكري على الأوطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أكثر المصطلحات المنتشرة في الآونة الأخيرة على لسان المثقفين هو مصطلح «التغريب»، والذي أصبح قضية معرفية واجتماعية وسياسية وحضارية، فما المقصود به؟ 

يقصد بالتغريب في لغتنا العربية: الإبعاد والنفي عن الوطن. ويطلقه المثقفون على حالة الانبهار والتقليد والإعجاب التي تحدث من الفرد أو الجماعة أو المجتمع ومحاكاة للثقافة الغربية والأخذ بقيمها وأساليب الحياة، بحيث يصير لذلك الفرد أو الجماعة أو المجتمع موقف يعد غريباً عن ميوله وعاداته وأسلوب حياته وتوجهاته وعواطفه، وينظر لتلك الثقافة الغربية وما تضم من نظريات وقيم وأساليب حياة ونظم نظرة الإكبار والإعجاب، ويرى أنها أفضل طريقة ولابد من الأخذ بها لكي تتقدم كفرد أو وطن.

مظاهر التغريب الفكري

تتعدد مظاهر التغريب الفكري داخل الأوطان، فنجد منها على سبيل المثال:

• السعي لزعزعة العقول الوطنية والتقليل من شأن الإنجازات حتى يصبح من السهل بث أفكارهم وانقياد الآخرين لهم.

• التقليد الأعمى للعادات والتقاليد الغربية والتي لا تتناسب مع هويتنا العربية والإسلامية في الملبس والمظهر الشخصي وغيره.

• التأثير من خلال الإعلام من أجل توجيهه لبث أفكارهم ومعتقداتهم، إيماناً منهم بالدور الذي يلعبه الإعلام وتأثيره القوي على الفرد وعلى الأسرة، بل وعلى المجتمع.

• إنشاء المراكز الفكرية التي تنشر أفكارهم، ويتم ذلك من خلال محور التقدم والازدهار.

خطر التغريب الفكري على الأوطان

يتخذ التغريب العديد من الأشكال لكن أخطرها التغريب الفكري حيث يتم استبدال فكر وثقافة الفرد وإحلال الثقافة والفكر الأجنبي محلها، وما يتبع ذلك من مظاهر تدل على التغير والتبدل، وقد ارتبط مصطلح التغريب بالحركة الإمبريالية الأوربية في القرن الـ 19، فهي لا تعد من ابتكار الشرق، فقد ظهر هذا المصطلح في معجم الغرب والذي يقصد به نشر حضارة الغرب في الدول الإفريقية والآسيوية التي تقع تحت قبضتهم من خلال محو أي فكر مضاد يعمل على حفظ كيانها وتقاليدها وعاداتها، ومن أهم تلك القوى الهوية واللغة بهدف ضمان سيطرتهم الاقتصادية والعلمية. لذا يستهدف التغريب الفكري ضرب الثوابت الإسلامية للأمة على وجه العموم وللأسر المسلمة على وجه الخصوص المتجلية في القرآن الكريم وفي اللغة العربية، من خلال تشجيعه للغة العامية في مجالات الإعلام والأدب، وأحدث اضطرابات داخل الأسرة المسلمة على اعتبار أنها عماد المجتمع، كما حقق التغريب الفكري والثقافي أهدافاً كثيرة ونتائج فقد كان له أنصار يروجون لأفكاره ومعتقداته سعياً منهم للمال والسلطة فنتج عن ذلك فئة من المغتربين الذين انبهروا بحضارة الغرب وأعجبوا بمظاهرها الخادعة.

وبالرغم من أن الاتجاه التغريبي نجح مع البعض، إلا أنه ما زال هناك الكثير أيضاً منهم ثابتين على فكرهم بالهوية الوطنية والثقافة والتقاليد الموروثة يدعون لوقف أساليب التغريب ويعملون على تفنيد دعوات المستغربين، لذا فالتحدي والمواجهة ضرورة حتمية من أجل حماية الهوية وحفظ كيان الأسرة المسلمة وأخلاقها.

وبالرغم من أثر التغريب على كيان الفرد وبذات صاحب الثقافة الإسلامية، إلا أنه لا يمكن أن ننسى الإيجابيات التي نرى أثرها في التقدم العلمي والتكنولوجي، لذا لابد أن يكون هناك نوع من تحكيم العقل والتفريق بين الإيجابيات والسلبيات، وهنا يأتي دور علماء الدين مثل مجلس حكماء المسلمين وغيرهم من أهل العلوم الوسطية الذين يضيفون لأبناء الوطن والوطن الأثر الفعال في الاستفادة من الأفكار البنّاءة والتصدي للأفكار الهدامة.

Email