عندما يتحدث تاريخنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعد الدراسات الاجتماعية وعلى رأسها علم التاريخ من أهم العلوم التي تزرع في نفوس الأجيال الجديدة المعرفة وتعمق فهمهم بحضارة المجتمع وهويته وإنجازاته. وفي دولة الإمارات راعت وزارات التربية والتعليم المتعاقبة هذه الحقيقة وعملت جاهدة على تحديث مناهج العلوم الاجتماعية ومنهج التاريخ بالتحديد وتعزيزه بجرعة قوية من القيم ليخدم أغراض الدولة. وفي هذا التعديل اعتمدت الوزارة على نخبة من الأكاديميين والعاملين في الحقل التربوي حتى تكون المحصلة النهائية متناسبة مع توجهات الدولة في تعزيز الهوية الوطنية وإعطاء الجيل الجديد جرعة قوية من الانتماء لهذا الوطن.

والانتماء لا يعني فقط الانتماء المادي المتمثل في حمل جواز السفر، بل هو الانتماء الفعلي، أي الفخر بما تحقق على يد الآباء والأجداد من منجز حقيقي خدم المجتمع. فقصة بناء هذا الوطن يجب أن تبقى قوية وماثلة أمام أعين الجيل الجديد وهم اليوم يعيشون ويتمتعون بكل الامتيازات التي وفرتها لهم الدولة الاتحادية. وأهم حقيقة يجب أن تترجمها مناهج التاريخ والاجتماعيات لأبنائنا هو أن أجدادنا لم يعرفوا المستحيل وأنهم بدؤوا من الصفر ووضعوا قواعد لبنيان قوي لدولة تسابق اليوم الأمم على المراتب الأولى وسجلها حافل بكل جديد ومتميز. لم يتسابق أجدادنا في إطلاق شعارات رنانة، بل عملوا بصمت وعزيمة ليخلقوا لنا وطناً نستحق أن نحيا فيه. فقد كان كل ما تمنوه أن تكون حياة أبنائهم وأحفادهم أفضل من حياتهم، وأن تكون الأرض التي يعيشون عليها آمنة ومطمئنة. وخير دليل على ذلك أن اليونيسكو قد سجلت بعض المواقع التاريخية في الإمارات ضمن التراث العالمي.

وعندما جاء الاتحاد لم يسع الآباء إلى المناصب القيادية، بل خدموا الوطن من أي موقع وكانوا يعملون ليلاً ونهاراً حتى يتقنوا العمل المكلفين به. وهذا ما أسهم في زيادة وعيهم الاجتماعي وحس المسؤولية العالية التي تمتعوا بها. كان همهم منصباً ليس فقط على نقل المعارف والخبرات لجيل الأبناء، ولكن نقل روح المسؤولية العالية حتى يمكن للجيل الجديد الحفاظ على مكتسبات الآباء والأجداد. ولكن هل نجح الآباء فعلاً في تدعيم روح المسؤولية المجتمعية عند الأبناء؟ وهل الأجيال الجديدة اليوم لديها الوعي الكافي بتلك التضحيات الجسام التي قدمها الآباء والأجداد؟ لا ننكر أن الشباب اليوم لديهم قدر كافٍ من المسؤولية المجتمعية، ولكنها ليست بالقدر الذي نتمناه لأجيالنا الجديدة. فالمسؤولية ليست فقط العمل وتقلد المناصب القيادية، بل العمل بهمة في أي مجال يخدم المجتمع، حتى لو كان مجالاً غير مغرٍ.

وفي تاريخ الإمارات شخصيات قيادية في مجال الأعمال والتجارة بدأت من الصفر وأصبحت اليوم من رموز دولة الإمارات. وهدف من أهداف الدراسات الاجتماعية والتاريخية هي تقديم تلك الرموز بصورة مشرفة وشرح إسهاماتها في بناء الدولة وتسليط الضوء على التحديات التي واجهتها تلك الرموز حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم. أن ذلك يقدم قدوة طيبة للأجيال الجديدة حتى تدرك بأن الغنى والجاه لا يأتي بسهولة وأن لكل مجتهد نصيباً. فقد غادرنا قبل فترة بسيطة أحد رموز الإمارات وهو رجل الأعمال ماجد الفطيم والذي بدأ حياته من الصفر وأصبح أحد أهم رجال المال والأعمال في العالم. قصة حياة ماجد الفطيم وغيره من رواد الأعمال تستحق أن تروى وأن تقدم في دراساتنا التاريخية كرمز من رموز العمل التجاري والإنساني في الدولة ويبرز بقوة عمق المسؤولية الاجتماعية التي تحلى بها أولئك الرواد. إن الدراسات الاجتماعية والتاريخية لها دور فعال في إذكاء روح المسؤولية المجتمعية العالية لدى الدارسين خاصة وأن الأجيال الجديدة قد تعودت على نمط معين من أساليب الحياة من الصعب عليها الآن التخلي عنه. ولهذا فإن تطعيم تلك المناهج بجرعة قوية من القيم الوطنية كفيلة بتحقيق هدف من أهداف الدراسات الاجتماعية الإماراتية وتخريج جيل من الشباب فخور بتاريخه ولديه إحساس عالٍ بالمسؤولية المجتمعية.

إننا نأمل بأن من يتابع حركة تطور مجتمعنا يتولد لديه الإحساس بأن تاريخنا عبارة عن حلقات متواصلة من العمل والإنجازات، وأن كل جيل يحمل الشعلة ويسلمها بجدارة للجيل الذي يليه. إننا لا نريد لجيل أن يتكل على إنجازات من سبقه، بل يعمل كل جيل بهمة وإخلاص ليكون أفضل ممن سبقوه. وهذا ما ترسخه الدراسات التاريخية.


* جامعة الإمارات

Email