لماذا فقدنا الانبهار؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع كل يوم جديد نكتشف قيمة النعم والتي لم نكن نعي ثمنها جيداً قبل الجائحة، ومع تعاطي الجرعة المعززة من لقاح كورونا، مررت بحالة من الإعياء فقمت بتمديد الإجازة السنوية 3 أيام إضافية للحصول على قسط من الراحة.

لاحت أمامي ذكريات الماضي حينما كنا أطفالاً ننبهر من خدمات بسيطة وصور «فوتغرافية» للمشاهير في مختلف المجالات وفي صدارتهم نجوم كرة القدم، ورسومات ومباني شاهقة واختراعات أصبحت اليوم من الماضي.

بل إن المدينة التي زرتها مع عائلتي وهي: إسطنبول كنت أنبهر بها سابقاً لكني فوجئت بغياب الانبهار فهل التعود على الأماكن والمناظر يفقدنا بريق الانبهار؟

مرت أمام عقلي هذه الذكريات متزامنة مع صور حديثة لرحلة السفر الأخيرة، إسطنبول زرتها كثيراً واستمتعت بمناظرها الخلابة وجمال طبيعتها وكأني أشاهد فيلماً سينمائياً تطورت أحداثه لأرى أولادي يمسكون بالموبايل ويصورون الأماكن والأشجار والمباني حتى الهواء يمكن تصويره.

ودون ترتيب مسبق أدت هذه المشاهدات إلى حالة من الدهشة والتعجب، فالأجيال الناشئة اليوم تشاهد الواقع بعيون الكاميرا وليس بعيونهم التي افتقدت نبض المشاعر وتذوق المناظر وملامسة المباني والطرقات وتأمل النجوم في السماء.

صوت داخلي حادثني قائلاً: لقد كنت تضحك من قلبك في الصغر وتتعجب من الهضاب وتستنشق النسمات فتطير فرحاً وكأنك نجم في السماء، فكيف حرمنا أولادنا من عيش أطوار الحياة ومذاقها الطبيعي الذي يحقق نمواً وازدهاراً للحواس والمزاج النفسي.

إن نبضات القلب الناجمة عن اختطاف البصر وسرعة التأثر مع الدهشة والإعجاب «الانبهار»، تصنع أوردة قادرة على الإبداع وإدراك كثير مما حولنا.

تساءلت أين ذهب الانبهار؟.. لماذا لم نعد نندهش؟.. لماذا فقدنا القدرة على الإحساس الفعال بجمال ما حولنا؟.. هل ألفنا التنعم فرحل عنا الانبهار وذهب إلى غير رجعة؟

وبما أنه لا توجد قاعدة ثابتة تحدد الجرعة المناسبة من الانبهار، فالأمور قائمة على التجربة الذاتية.

ربما يجدر بنا أن نصوب نظرنا إزاء أشياء تساعدنا على رؤية الحياة بكل ما فيها من روعة وجمال ونعم بصرية ونفسية وحسية ملموسة، علينا أن نعيد إلى أبنائنا فضاءات الحياة التي احتلّت التكنولوجيا مكانها.

علينا أن نمنح أنفسنا فرصة التصالح مع الطبيعة حتى لا نغادرها واقعياً ونعيشها على الورق افتراضياً.

وأتساءل مجدداً أين ذهب الانبهار؟ وأعدكم بأن أبحث بعمق فربما «الاعتياد» لا يكون جوهر الأسباب، فهناك متغيرات وتحولات في النفس والعقل والفكر، نسأل الله دوام النعم والإعانة على الحمد والشكر.

 

Email