نخلةُ البحر.. أعجوبة دبيّ الخالدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بروح القائد المُفعمة بالعزم والتصميم، وببصيرة المسؤول العميق الخبرة في مسارات الحياة، يطالعنا صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، وضمن إيقاع بديع من خلال وسمه المحتدم «ومضات قيادية» بهذه الكلمات والتجارب التي نحتاج إليها وننتظرها بشوق صادق بسبب ما تشتمل عليه من المواقف والأفكار التي تعزز الثقة بمسيرة هذا الوطن، وتؤكد سداد المسيرة خلال المرحلة الماضية من عمر الدولة، حيث يتمتع صاحب السموّ بذاكرة متوقدة تهتم بالتفاصيل، وتنسج من تلك الذكريات التي كانت تُداعب خيال ذلك الفارس المصقول كثيراً من القصص الواقعية التي كان التفكير فيها ضرباً من الأحلام والخيالات المستحيلة التحقق والإنجاز.

إنّ من يقرأ سيرة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد ويحدّق بعين البصيرة في طبيعة تفكيره وإنجازاته، ويربط بين الماضي والحاضر سيكتشف ذلك الحبل السرّيّ الذي يربط بين الحلم والحقيقة، فمنذ نعومة أظفاره وطراءة عوده كان يعشق التحديات، ويجد ذاته في مواجهة الصعوبات، ولقد أتيح له نمط فريد من التربية الصارمة التي تجمع بين الحزم والحنان تلقاها من أكرم أبوين كانا يُخبّئان هذا الفتى المَهيوب لقادمات الأيام، ويُعدّانه لتحمل المسؤوليات الجسام، وكم تزخر سيرته الذاتية الرائعة (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً) بالمواقف الدالة على عشق التحدي والصبر على صناعة الفوز منذ أن طلب منه والده الشيخ الجليل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، أن يشارك في أول سباق للخيل في دبي حين كان عوده مخضوضراً لا يكاد يسمح له بهذه المغامرة الصعبة، وكيف أنّ والدته طيبة الذكرى الشيخة لطيفة بنت حمدان، رحمها الله، أرشدته إلى مداواة الفرس المتوعكة (أمّ حَلَجْ) كي تكون جاهزة للسباق والفوز، حيث يقصُّ صاحب السموّ هذه القصة التأسيسية في شخصيته التي ستكون ذات أثر عميق في ترسيخ مبدأ المواجهة وتحقيق الأهداف مهما كانت عصيّة وبعيدة في عين الرائي.

تأسيساً على هذه الجذور العميقة من نمط التربية الفريد الذي تلقاه صاحب السموّ تأتي هذه الومضات القيادية التي تحكي قصته مع صناعة المجد لهذا الوطن الجميل، وها هو يتحفنا اليوم بومضة رائعة المحتوى نشرها على حسابه في إنستغرام تحكي واحدة من أروع التحديات في مسيرة التنمية لدبيّ، حيث تحدث صاحب السموّ وبشكل رائع عن خيال الفتى الذي كان يلهو على شطّ البحر مع رفاقه الصغار الذين كانوا يعبرون عن أمنياتهم ضمن الواقع والمألوف، وكيف أنه كان ينفرد عنهم بالتفكير في شيء فوق الواقع والمألوف.

«عندما كنت صغيراً ألعب على شاطئ البحر مع أصدقائي، كانوا يبنون بيوتاً وقلاعاً رملية على الشاطئ، وأنا كنت أحاول أن أبني في البحر، وكانوا يضحكون» بهذه العفوية الذكية يسترجع صاحب السموّ تلك اللحظات الضاربة في عمق الذاكرة حين كان يصطحب رفاقه للعب على شاطئ دبي، وكيف أنهم كانوا يتصرفون ضمن خيالهم الطفولي القريب حين يبنون ألعابهم وقلاعهم على رمل الشاطئ وهو الشيء المتوقع من الأطفال في هذه السن المبكرة، لكن صاحب السموّ وبما فُطر عليه من التميز وعمق التفكير كان يفكر في بناء الأحلام في قلب البحر، وإنشاء مدينة مذهلة التصميم والجاذبية في قلب البحر لتكون هي الأفق الذي يتغيّاه ذلك الفارس المسكون باللامألوف، فكانت ردة فعل الأتراب والأصحاب هي الضحك من هذه الأحلام المستحيلة في تلك المرحلة المبكرة من نشأة مدينة دبيّ مدينة البحر الساحرة التي ستحقق جميع الأحلام التي كانت تراود خيال فارسها وعاشقها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد.

«والآن كثيراً ما أصطحبهم إلى مشروع النخلة والمباني التي في البحر»، في مقابل تلك الضحكات انطلقت روح التصميم في قلب صاحب السمو، وصمم على تنفيذ الحلم، وتحقق ذلك الحلم الفريد بإنشاء مدينة في جميرا على شكل نخلة في قلب البحر، لتكون بذلك واحدة من عجائب الدنيا الثماني بحسب تقدير الخبراء العالميين الذين عقدت الدهشة ألسنتهم حين برزت نخلة جميرا للعيان، وطلع نجمها في قلب السماء، وتحقق ذلك الحلم القديم لفارس دبيّ الذي ما تخلف له فعل عن قول، حتى غدت دبيّ هي الوجهة الأولى للسياحة العالمية واستأثرت قبل عدة سنوات بما نسبته 31% من عائدات السياحة الدولية، لتذكرنا هذه الومضة بما ذكره صاحب السموّ في القصة رقم (36) من سيرته الذاتية التي جعل لها عنوان «التعاون» حين طرح فكرة تطوير دبيّ لتكون وجهة سياحية على المستوى العالمي، وكيف أنّ أحد وزراء الخارجية الحاضرين ردّ على اقتراح صاحب السموّ بكثير من الدهشة والاستغراب حين قال: «ماذا سيجد السياح في دبيّ ؟ من سيأتي إلى الصحراء؟ من سيأتي للحرارة والرطوبة التي في دبيّ؟ ليضحك الباقون من هذه التساؤلات التي ازداد معها صاحب السموّ تصميماً على إنجاز دبي المختلفة المدهشة حتى تمّ له جميع ما أراد من المشاريع المذهلة التي جعلت الآخرين يعترفون بالجسارة والقوة والتصميم التي هي من طبيعة شخصية صاحب السمو الذي لا يعرف التردد ولا النكوص على الأعقاب».

«دعونا نتحاور ونفكر في المستقبل، ليكون لدينا جميعاً رؤية واضحة، فدعونا نخوض معركة التنمية وليكن من ضحايانا الفقر والجهل والتخلف» ؛ ثم كانت هذه الخاتمة الرصينة التي يدعو فيها صاحب السموّ أصحاب الشأن وفرق العمل والتخطيط للحوار والتفكير في المستقبل كي يصل الجميع إلى تشكيل رؤية واضحة لخوض معركة التنمية التي هي في نظر صاحب السموّ المعركة الكبرى في العالم العربي الذي مزقته الانشغالات الجانبية عن صناعة التنمية وإدارة عجلة الحياة، ولتكون الحرب موجّهة إلى الأعداء الحقيقيين للإنسان والذين تمثلهم هذه الثلاثية المخيفة: الفقر والجهل والتخلف، باعتبار المعركة مع هذه الثلاثية هي أشرف معارك الإنسان في العصر الحديث.

Email