الشيك.. بين إلغاء التجريم والسند التنفيذي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقرت دولة الإمارات العربية المتحدة، تعديلات جديدة على قانون المعاملات التجارية، وقانون العقوبات بشأن إلغاء تجريم الشيك بدون رصيد، وذلك لتسهيل المعاملات التجارية المصرفية، وتنظيمها، وتبسيط إجراءات تحصيل قيمة الشيك والوفاء به، وجعله أكثر مرونة.

ويعتبر الشيك أداة وفاء بالمعاملات، ولعل هذا ما جعل التجريم في مادة الشيك، يرتبط أساساً بحالة عدم توفر أو كفاية المقابل، حيث كان الهدف دائماً تعزيز الثقة في التعامل بهذه الورقة التجارية، غير أن تمديد التجريم والعقاب إلى المجال المصرفي، لم يكن يوماً محل إجماع، فنادى البعض بإلغاء جرائم الشيك، على سند بأن التجريم لم ينجح في الحد من ظاهرة الشيك بدون رصيد، وشيكات الضمان، وفي المقابل، رأى مؤيدو الإبقاء على جرائم الشيك، أن التجريم والعقاب ضرورة أمام تفشي ظاهرة الشيك بدون رصيد، وشيكات الضمان، وأن ذلك هو ما يضمن احتفاظ الشيك بخصائصه كأداة وفاء.

وبموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 14 لسنة 2020، عدل المشرع الإماراتي بعض أحكام قانون المعاملات التجارية الصادر بالقانون الاتحادي رقم 18 لسنة 1993، بإلغاء جرائم الشيك كقاعدة عامة، تتخللها بعض الاستثناءات، حيث تم تضييق إطار تجريم الشيك المرتجع من دون رصيد، واقتصاره فقط على الحالات المرتبطة بجرائم تزوير الشيك، والاحتيال باستخدام الشيكات، وإعطاء أمر للمصرف، بعدم صرف الشيك بدون حق، أو سحب كامل الرصيد قبل تاريخ تحرير الشيك، أو قبل تقديمه للمسحوب عليه للسحب، والتعمد المقصود بتحرير الشيك، أو توقيعه بصورة تمنع صرفه.

واستحدث المشرع الإماراتي بالتعديل الأخير، فكرة الشيك المعتمد، وهو شيك محرر في شكل الشيك العادي، فضلاً عن أنه يحمل توقيع البنك على صدر الشيك، بما يفيد اعتماده مع ذكر التاريخ، وبذلك أصبح للمستفيد الحق في مراجعة البنك المسحوب عليه الشيك قبل تاريخ استحقاقه، للاستفسار عن وجود رصيد كافٍ لسداد قيمة الشيك بموعده من عدمه، فإن وجد رصيداً كافياً أو جزئياً، يحق للمستفيد طلب تجميد المبلغ الموجود بالحساب البنكي حتى تاريخ الاستحقاق، ولا يجوز للمسحوب عليه رفض اعتماد الشيك، إذا طلب منه الساحب أو الحامل ذلك، وكان لديه مقابل وفاء، يكفي لدفع قيمة الشيك كلياً أو جزئياً، وعند اعتماد البنك للشيك، يكون ملزماً بتجميد الرصيد الخاص به طول الفترة المحددة، لتقديمه للوفاء، ويصبح الوفاء بالشيك بتلك الحالة مؤكداً، وعلى المسحوب عليه في حالة الوفاء الجزئي، أن يؤشر عند كل إيفاء جزئي على ظهر الشيك، بما يفيد ذلك، وأن يسلم الحامل أصل الشيك، وشهادة بهذا الإيفاء، ويثبت للحامل الرجوع بالباقي بأصل الشيك المؤشر عليه.

ولما كان الشيك يعد من أهم الأوراق التجارية، وأكثرها انتشاراً في العمل، باعتباره يمثل أداة دفع أو تفاوض متعارف عليها بدلاً من النقود، ولا يمكن أن يؤدي دوره كأداة وفاء، إلا إذا اطمأن المتعاملون إليه ووثقوا في أن حصولهم عليه مقابل ما لهم من حقوق يعادل الدفع النقدي، والطريقة الوحيدة لتعزيز الثقة في الشيك، هي تدعيم حق حامل الشيك، وتقوية الضمانات التي تؤكده، ومن أجل ذلك، ذهبت التعديلات التشريعية الأخيرة لقانون المعاملات التجارية، إلى وضع بدائل وآليات مستحدثة، تضمن تحصيل قيمة الشيك بأسرع وأبسط طريقة ممكنة، والتي تختصر الإجراءات القضائية للمطالبة المدنية بقيمة الشيك، فضلاً عن إلزام البنك بالوفاء الجزئي للشيك، بعد خصم كامل المبلغ المتوفر لدى مصدر الشيك، جعل المشرع الشيكات المرتجعة، سنداً تنفيذياً، يتم تنفيذه مباشرة من قبل قاضي التنفيذ في المحكمة، بوضع الصيغة التنفيذية على شهادة عدم وجود الرصيد، أو عدم كفايته المرتبطة بالشيك المرتجع، وتحصيل قيمته، دون اللجوء إلى طريق الدعاوى القضائية، سواء المدنية أو الجزائية، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الثقة بالشيكات، باعتبارها ورقة تجارية، تتيح الوفاء بقيمتها فوراً.

وإلى جانب التعديلات المتعلقة بالشيكات المرتجعة والصادرة بدون رصيد، تضمنت تعديلات المرسوم بقانون، كذلك، أنه في حال تم فتح حساب مشترك بين شخصين أو أكثر، وعند وفاة أحد أصحاب الحساب المشترك، أو فقده الأهلية القانونية، يجب على باقي أصحاب الحساب المشترك، إخطار المصرف بذلك، خلال مدة لا تتجاوز 10 أيام من تاريخ الوفاة أو فقد الأهلية، وعلى المصرف من تاريخ إخطاره، إيقاف السحب من الحساب المشترك في حدود حصة الشخص من رصيد الحساب يوم وفاته أو فقد الأهلية، ولا يجوز السحب من حصته، حتى يتم تعيين الخلف.

وبالتالي، يمكن القول إن تلك التعديلات المتمثلة في رفع الحماية الجزائية عن الشيكات بدون رصيد، ونزع الصفة الإجرامية عنها، تمثل جزءاً من سلسلة الجهود التي اتخذتها الدولة لدفع وتيرة الاقتصاد، وإحداث تحول نوعي في النموذج الاقتصادي القائم، وزيادة جاذبية الدولة للاستثمارات الأجنبية، والشركات العالمية، ومواكبتها لأحدث التوجهات العالمية، خاصة المتعلقة بالتحول الرقمي، ووسائل الدفع الرقمية الحديثة، بما يؤدي لتعزيز استمرارية ونمو الأنشطة الاقتصادية، وزيادة الثقة في بيئة الأعمال، وللحفاظ على ديناميكية وتنوع الاقتصاد، وفعاليات النظام القضائي، وتجنب التبعات السلبية لتجريم الشيكات المرتجعة بدون رصيد، وتكدس القضايا المرتبطة بها أمام المحاكم، وبالتالي، تراكم الديون التي تؤثر سلباً في القطاع المالي والمصرفي والتجاري بشكل عام في الدولة.

Email