عقولنا ومتطلبات النجاح

ت + ت - الحجم الطبيعي

النجاح، هو الغاية التي نسعى لها منذ خطواتنا الأولى في الحياة، عندما نشاهد كل ذلك الاحتفاء من الأبوين بتلك الخطوة المهتزة، فنعيد المحاولة مرة أخرى، ونقع ولكننا ننهض أمام ضحكاتهما وفرحتهما للمحاولة ثانية، يخيل لي أن تلك الخطوات والمحاولات هي أول سعي جاد وحقيقي نحو النجاح، ولكننا وبمجرد الخطو والسير، ننسى تماماً كل تلك السقطات المؤلمة، والتي في بعضها بكينا بحرارة إما من الألم الجسدي أو النفسي، نتيجة لفشلنا المتكرر.

كبرنا قليلاً ومعها زادت رغباتنا في النجاح وتحقيق الإنجازات، وعندما بدأنا تطورت خطواتنا نحو التعليم، وتم الزج بنا في الروضة والتمهيدي، تعلمنا حقيقة أنه لا يمكن أن تنتبه لنا المعلمة، إلا إذا لفتنا نظرها بصراخنا ولعبنا الذي لا يتوقف، إذا شاركنا معها في ألعابها بحيوية وسرعة، هنا يمكنها أن تلتفت نحونا وتتذكر أسماءنا، وعندما تصرخ في الفصل الدراسي، بل في الحلقة، وتردد هذا الاسم يتحرك شيء ما في قلوبنا الصغيرة، ونزداد حماساً، ونشعر عندها بشعور غريب، أننا مميزين، أننا أفضل، ودون أن نعلم، كان هذا ما يسمى بنشوة النجاح.

البعض منا «أطفال تلك الحقبة» أدرك أن الطاقة الحركية واللعب، خفتت على مقاعد الفصل الدراسي البارد، وأنه مطلوب منا اليوم استنتاج وإنتاج طاقة جديدة، يغلب عليها الجانب الذهني، أكثر من الحركي، أصدقكم القول إنهم كانوا قلة من أقراني ممن أدرك هذا الجانب، ونحن جميعاً معذورين بصغر السن وقلة الخبرة وعدم المعرفة، ولأكون أكثر دقة، فإن من فهم، لا يعود الفضل لفطنته، بل لأمهاتهم اللاتي كن يستذكرن ويراجعن الدروس معهم، ولا يتركن لهم مجالاً للحركة واللعب، دون أن يحفظوا ويكتبوا واجباتهم المدرسية، أما أنا وآخرون فقد غلب علينا اللعب والمرح، ولم نخرج من مرحلة الصراخ الطفولي في الحلقة أيام الروضة والتمهيدي، وكان علينا أن نتعلم من الطريق الأصعب والأكثر مشقة، وهو طريقة التجربة والخطأ، وهو ما حدث وأدركنا في نهاية العام، أن هذه المرحلة كانت تتطلب نوعاً آخر من لفت الانتباه للمعلمة، ونوعاً آخر من الطاقة التي تبذل. كأن ما قاله الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس، والذي يعد من رواد علم النفس الحديث، والذي نشر كتباً مؤثرة عدة في علم النفس بصفة عامة وعلم النفس التربوي تحديداً، ينطبق على حالتنا في تلك السن المبكرة، حيث قال: الإنسان يمكن أن يغيّر حياته، إذا ما استطاع أن يغيّر اتجاهاته العقلية. ببساطة متناهية تعلمنا من أجل تحقيق هدفنا في التميز، أن نغيّر أولوياتنا التي تعودنا عليها، أن نغيّر ما نحبه، أن نغيّر ما فتحنا أعيننا على القيام به، وهو اللعب، وبذل الطاقة الحركية، ببساطة استجبنا بطريقة مدهشة للمحطة الحياتية الجديدة، التي تختلف عن محطة الذهاب للروضة والمرحلة التمهيدية، محطة كانت فيها المعلمة أقل مرحاً، وأكثر جدية، أقل في اللعب وأكثر حرصاً على الحفظ والتلقين والتعليم.

Email