حركة الزمن وإبداعية التكامل

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تكون الأشياء قريبة منّا لا نستطيع أن نتبيّن روعتها وفخامة شأنها، فإذا ابتعدنا عنها قليلاً أو كثيراً ظهرت لنا معالمها التي تكشف عن قيمتها وتميزها، وهذا هو شأن مدينة دبيّ التي تبهر الناظر إليها من قريب، فإذا أراد أن يعرف روعة تصميمها وضخامة منجزاتها، فما عليه سوى أن يُحلّق فوقها ثم يتذوق روعة جمالها وسحر إبداعها، وهو ما رأيناه في المادة التصويرية التي رافقت الومضة القيادية التي نشرها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، على حسابه في إنستغرام ضمن وسمه المعروف «ومضات قيادية» الذي يستلهم كثيراً من التجارب المتميزة في مسيرة بناء الوطن، ويضع بين يدي الأجيال هذه الرؤى والخبرات التي تُثري وعيه، وتصقل ذوقه وتنمّي خبراته، وتجعله يرى بعين البصر والبصيرة طبيعة التفكير المبدع لدى قادة هذه الدولة الذين منحوها كل ما تستحق من الرعاية والاهتمام فضلاً عن التصميم على البلوغ بها إلى أقصى غايات التقدم والإنجاز.

في ومضة قيادية رائعة المحتوى والإيحاء أكد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد على أنّ الصورة المتكاملة لمشاريع الدولة لم تكن اعتباطية أو مزاجية منفصلة عن بعضها البعض بل كانت تجري ضمن رؤية استراتيجية تنظر إلى المستقبل من خلال منظور التكامل الكلي الذي يجعل من هذه المشاريع الجزئية المتناثرة لوحة إبداعية متكاملة لا تخفى معالم تكاملها على الناظر إليها بعين البصيرة، حيث يخرج شكلها النهائي ضمن رؤية فريدة تخطط بذكاء مدروس لتوحيد هذه العناصر ومزجها، وإبداع اللوحة المرتقبة بذكاء الفنان وبراعة المهندس الذي يستغل كل مساحة مُتاحة لإنجاز شيء يستحق الحياة.

«حركة الزمن هي التي تجعل الإنسان يعمل ويبدع وينجز» بهذه القاعدة الحضارية البسيطة العميقة في وقت معاً يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه الومضة الثمينة، مؤكداً من خلالها على أهمية عنصر الزمن في تقدم الأمم وصناعة الحضارة لتذكرنا هذه العبارة الرصينة بما كتبه صاحب السموّ في سيرته الذاتية (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً) وتحديداً في القصة الثامنة التي جاءت بعنوان (185 عاماً من البحث عن دبيّ)، حيث أبدع فيها صاحب السموّ في سرد مسيرة دبي داخل فاعلية الزمن مؤكّداً على فكرة جوهرية خلاصتها أنّ دبيّ ليست صدفة عارضة في الطريق بل هي ثمرة رحلة استمرت أكثر من مئة وخمسة وثمانين عاماً حتى استقرت دبيّ دانة للدنيا بحسب التعبير الجميل الرشيق لصاحب السموّ الذي يسبغ على دبيّ ما تستحقه من أوصاف المجد ونعوت الجمال، لنلتقي في ومضة اليوم مع عمق فكرة الزمن في تفكير سموّه حيث جزم بأنّ الزمن هو الوعاء الذي يحتضن جميع تجليات الإبداع والإنجاز والعمل للإنسان على ظهر هذا الكوكب الجميل الفريد.

«فتبدأ حركة الحياة، وتبدأ المشاريع صغيرة ثم تكبر وتنمو منفردة مشروعاً إثْرَ آخر» واستجابة لفاعلية الزمن تبدأ حركة الإعمار في الحياة والتي تتجلى على شكل مشاريع يلوح للناظر أنها صغيرة في حجمها منفردة عن غيرها، فالحياة في جوهرها هي بمقدار ما نُضيف إليها، ومن يقرأ فكر صاحب السموّ فهو شديد الاهتمام بفكرة الإضافة إلى الحياة من خلال الإنجاز، ومعياره في تقويم القادة والرجال هو بمقدار إضافتهم للحياة من مشاريع الخير والعمران، وهكذا كانت مسيرة الوطن: حيث انبثقت المشاريع الصغيرة وتساندت لترسم تلك اللوحة الباهرة الجمال في نهاية المطاف.

«ومن ينظر إلى المشاريع منفردة كلّ على حِدَهْ فإنه لا يدرك أنّ تلك المشاريع منظومة متكاملة متداخلة العناصر ضمن رؤية استراتيجية واضحة المعالم»، ففي هذا الجزء من هذه الومضة العميقة يبدّد صاحب السموّ النظرة الجزئية التجزيئية لمسيرة الوطن في الإعمار والبناء، فما يلوح للناظر أنه مجموعة متناثرة من المشاريع التي لا يربطها رباط هو في الحقيقة وعند النظر العميق جزء من كُلٍّ متماسك صدر عن تفكير عميق وخطط مدروسة كانت قادرة على وضع التصورات النهائية للصورة المتكاملة للتنمية حين يتمّ إنجاز المشاريع الصغيرة المتناثرة، وهذا الإحساس الهندسي الجميل يسبغ على المشاريع روعة التفكير الهندسي الذي يحرص دائماً على تكامل الإبداع، وتقديم اللوحة الشاملة الشاهدة على عبقرية الإنسان وذكائه النفّاذ الذي ينظر إلى الأفق البعيد، ويمتلك القدرة على تصور المشهد الكامل بعد إنجازه على شكل مشاريع منفردة يقوم برصفها في مشهد جمالي أخّاذ تماماً مثل عقد اللؤلؤ المنظوم الذي يُشكّل الجمال الزاهي من حبات اللؤلؤ المنثورة، وكذلك هي مسيرة البناء والإعمار في وطننا الحبيب الذي يسير ضمن خطة استراتيجية عميقة الغور باهرة التخطيط، تعمل بصمت وذكاء وتمتلك القدرة على الإدهاش في اللحظة الحاسمة غير المتوقعة لتظل مسيرتنا التنموية هي الأكثر تميّزاً وقدرة على الإبداع من خلال الخيال الخلّاق، والتخطيط المدروس، والتنفيذ البارع والتصميم على أن يكون النموذج الإماراتي هو النموذج القدوة الذي تتطاول الأعناق لمشابهته والنسج على منواله في ظل معادلة نادرة المحتوى من العلاقة المؤسسة على الثقة بين القيادة والشعب لتظل الإمارات هي الأغلى في القلب والوجدان.

Email