خدعة الحوافز والرواتب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستبشر الموظفون خيراً حينما تعلن لهم الإدارة العليا عن إعادة النظر في سلم الرواتب والحوافز المادية.

وقد يؤجل البعض استقالاتهم، أو ربما يتسرعون بالانضمام إلى المنظمة بحجة انتظار تلك النتائج. بعد دراسة السوق تأتي الصدمة عندما يعلم الموظفون أن مجلس إدارة الشركة أو حكومة دولة ما قد وجدوا أنفسهم أمام ثلاثة خيارات: إما أنهم يدفعون «أكثر» من نظرائهم أو منافسيهم، أو «يساوونهم»، أو «يتراجعون» عنهم.

بعبارة أخرى يكون هناك ثلاثة خيارات على الطاولة، وهي استراتيجية أن نتفوق على منافسينا lead، أو نسايرهم أو نعطي أقل من السوق (lagging behind)، على اعتبار أننا الرائدون في القطاع كله أو لم نعد بحاجة لاستقطاب جميع المراتب الوظيفية.

وما أكثر ما تراجعت الشركات والحكومات بعدما أعدت لهم جهة مستقلة دراسة معتبرة لتكتشف أنها تمنح العاملين لديها أكثر من نظرائها أو منافسيها. وهذا ما يجرنا لمسألة عدم التحمس أو انخداع المرشح لوظيفة جديدة لتلك الوعود البراقة عن دراسة السوق، لأن توصياتها قد تلتهم امتيازات أو علاوات تبين أنها لم يكن لها داعٍ.

صحيح أن الحاجة للرواتب والحوافز المادية المغرية مطلب لا مفر منه، غير أن الراتب لا يعد مغرياً كافياً. فالرئيس الأمريكي يتقاضى 400 ألف دولار أمريكي في العام، لكنه يحمل هم أمة بأسرها، ووزر مسؤوليات أكبر دولة في العالم.

وكذلك الحال مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي يتقاضى 6666 جنيهاً استرلينياً شهرياً، بحسب ميزانية عام 2021 (أو نحو 9.4 آلاف دولار)، وهو ما يزيد قليلاً على راتب وزير في بعض دول الخليج مع الفارق لجسامة مهامه.

وكثير من كبار المسؤولين الرسميين حول العالم لا يتقاضون رواتب مجزية لأن الأمر مرتبط بالخدمة العامة أو بفلسفة أخرى وهي الحوافز غير المادية non-financial compensation. ذلك أن من البشر من يجد في نفسه الاستعداد للتنازل عن جزء من راتبه على أمل أن ينهل من علم وخبرة مسؤول ضليع في مجاله أو يحظى «بالبرستيج».

وهناك من لا يلتفت للراتب الهزيل بل إلى مساره الوظيفي والتدريبي الذي يمكن أن يشق من خلاله طريقه نحو طموحه أو مجده أو ربما «مشروعه التجاري» الصغير مستقبلاً. إذن الوظيفة قد تكون محطة مؤقتة للتزود بالخبرات والمعلومات وبناء شبكة علاقات للمرحلة المقبلة.

غير أن أخطر ما يمكن أن يفعله المرء عندما يهبط من وظيفة رصينة من دون التأكد من سلامة «البراشوت» أو المكان الذي قرر النزول إليه.

وهناك مسألة مهمة متعلقة «بالحوافز غير المادية» وهي أنها معلقة بعامل «الرضا». فإذا لم يرَ الفرد في «برستيج» مكان عمله أو سمعته أو ثقافته السائدة شيئاً يذكر، فإن محاولات إقناعه بها ستذهب هباءً منثوراً. لأن المعنويات لا تشكل له الرضا الذي تحققه الماديات.

شخصياً، أرى في مسألة الرواتب والحوافز خدعة خفية، فهي مثل السراب يلهث خلفه الموظف. فما أن يصل حتى يجد الحوافز لا تكاد تذكر. خصوصاً مع تزايد التضخم في السلع والخدمات، وتعدد حاجات ورغبات الأسرة والفرد. الأمر الذي يحتم قضية البحث عن مصدر ثانوي أو بديل. وهذا لا يعني أن جميع الناس لديهم المقدرة على عمل «بزنس خاص».

وعالم الأعمال ليس بالوردية ولا براحة البال التي يتوقعها الناس. لذلك من الحكمة أن يضع الشباب ومن ما زال في عمره متسع من الوقت قضية البحث عن دخل بديل نصب أعينهم؛ فهذا مما يخفف من صدمات الحياة لاحقاً، وفي ذلك تطبيق للقاعدة الاستثمارية الحياتية الشهيرة «لا تضع بيضك في سلة واحدة».

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة

 

Email