ثقافة التغيير بين السلب والإيجاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

التغيير هو التحول من حال إلى حال، والانتقال من وضع إلى آخر، وقد يأخذ ذلك منحى إيجابياً بالصعود نحو الأفضل، أو منحى سلبياً بالانحدار نحو الأسوأ، سواء على مستوى الأفراد أو الأسر أو المؤسسات أو المجتمعات.

فعلى مستوى الفرد نجد أن الإنسان لا يخلو من جوانب نقص يحتاج إلى تكميلها، ويمر بمستويات منحنية صعوداً وهبوطاً، ولذلك فهو بحاجة مستمرة إلى تقييم ذاته، لإحداث تغيير نحو الأفضل.

وأول ذلك علاقته مع الله تعالى، وهل هو في ذلك في صعود أم انحدار، ومعرفة أسباب هذا أو ذاك، لمواصلة السير في طريق الصعود في الطاعات، أو إيقاف عجلة الانحدار ومحاولة الصعود مرة أخرى إلى القمم الإيمانية التي كان عليها أو التي يطمح إليها، آخذاً بالأسباب التي تعينه على التغيير الإيجابي والأسباب التي تبعده عن التغيير السلبي.

وكذلك على المستويات الشخصية للإنسان، سواء في إدارته لوقته، أو أنماط سلوكه، أو رؤيته للأمور، أو ثقافته الغذائية والصحية، وغير ذلك من الجوانب، فيحرص الإنسان في ذلك على التغيير الإيجابي ويحذر من التغيير السلبي، وكذلك على مستوى علاقاته المتعددة ابتداء من أسرته، فمتطلبات التربية الأسرية اليوم على سبيل المثال ليست كالأمس، وخاصة في ظل الثورة التقنية الهائلة في العقود الأخيرة.

والتي أحدثت نقلة نوعية في حياة الإنسان وأنماط تواصله مع العالم كله، فالهاتف الذكي اليوم هذا الجهاز الصغير هو نافذة عملاقة على العالم كله بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، ولذلك فإن رب الأسرة اليوم يحتاج إلى امتلاك خبرات جديدة لمواكبة هذا الزحف التقني، ليستطيع إدارة التغييرات التي تنتج عن ذلك، ويوجهها في الاتجاه الإيجابي السليم.

وكذلك الموظف في جهة عمله يحتاج إلى امتلاك ثقافة التغيير الإيجابي، الذي يُمكِّنه دائماً من الارتقاء بسير العمل، والإسهام في التطوير، وتقديم المبادرات المبتكرة، وكل ذلك وفق معايير وأسس صحيحة، فالإرادة والحماس وحدهما لا يكفيان ما لم يقترنا بمعرفة للرؤى والتوجهات والتطلعات وتنمية الذات والعمل بروح الفريق الواحد.

وإذا كنا نتحدث عن ثقافة التغيير فإنه مما يجب على المجتمعات أن تتحلى به معرفة الثقافة الصحيحة في هذا الباب، القائمة على الحكمة وبناء العلاقة المثلى بين القيادات والشعوب ومع المؤسسات والمسؤولين للارتقاء والتطوير، وإتيان الأمور من أبوابها فيما يتعلق بالنقد والنصيحة، والحذر كل الحذر من الثقافات الفوضوية الدخيلة، التي تستهدف أمن المجتمعات واستقرارها.

وخاصة في ظل وجود ثقافات عديدة للتغيير، منها تلك الثقافات السلبية التي تسوِّق لها تيارات وأحزاب وتنظيمات وأصحاب أجندات، كلٌّ بحسب تصوراته وأهدافه، فمنهم من يرى أن التغيير يكمن في الاستيلاء على السلطة والحكم، ويخطط لذلك في الدهاليز المظلمة، وقد رأينا من انتهجوا هذا النهج.

فلما وصلوا إلى الحكم أدخلوا العباد والبلاد في دوامات وأزمات، وسقطوا سقوطاً مدوياً، ولا تزال بعض البلدان تعاني حروباً وصراعات داخلية إلى يومنا هذا، ومنهم من يرى نفس هذه الرؤية إلا أنه يختلف في أدوات التغيير، فينهج نهجاً ناعماً، كأن يقوم بتجيير وتسييس حقوق الإنسان والحريات، لتصب في خدمة أجنداته السياسية، أو يروج للمناهج الثورية تحت مسمى الديمقراطية وغير ذلك.

ومن أسوأ ثقافات التغيير السلبي ما تنتهجه التيارات المتطرفة من التكفير واستباحة الدماء والإرهاب والفوضى، ومتاجرتها بالدين، واستغلالها للعواطف، وتلاعبها بالعقول، وسيرها على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وفي هذا الإطار تنعدم القيم والمبادئ والمشاعر الإنسانية وتنحرف الفطرة عن مسارها السوي، فلا يتوانى الإرهابي عن إيذاء أقرب الناس إليه، وسلوك مسلك الغدر والخيانة والهدم والتدمير، ضارباً بتعاليم الدين ومقاصده عرض الحائط.

ولذلك فعلى الشباب أن يعوا جيداً أن التغيير ليس هدفاً في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لتحقيق المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها، ومن أهم ذلك المحافظة على الأوطان واستقرارها ومصالحها الوطنية العليا، وأن للتغيير ثقافات كثيرة، إيجابية وسلبية، والعاقل يحرص على التحلي بثقافة التغيير الإيجابي الذي يعود نفعه عليه وعلى أسرته ومجتمعه ووطنه، ويبتعد كل البعد عن كافة صور التغيير السلبي، وأي أجندات أو موجهات تخدم ذلك من قريب أو بعيد.

* كاتب إماراتي

 

Email