الطفل يحتاج للاحترام

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك اعتقاد شائع بين كثير من الناس، أن مرحلة الطفولة عابرة ولا تستحق الكثير من الاهتمام، ويكفي أن توفر للطفل الغذاء والملبس والرعاية والانتباه كونه صغيراً في السن لا يدرك المخاطر ولا يعرف الخير من الشر، لكن مثل هذا الظن خاطئ تماماً، ففي مرحلة الطفولة تتشكل معظم العادات والممارسات، وفي هذه المرحلة تحديداً تبنى شخصية الطفل، فإذا كانت سليمة قويمة رصينة فإنه ودون أدنى شك ستكون قادرة على مواجهة التحديات والصعوبات وإذا كانت شخصية بنيت على الخوف والرهبة فيخشى أن يكون متجنباً للصعوبات وهارباً من أي مواجهات.

 لا يمكن أن تتساوى شخصية طفل عاش في جو أسري مفعم بالحنان والاستقرار العاطفي والهدوء، مع طفل تعرض للعنف والضرب والصراخ، يفوت تماماً على الأم والأب أن طفلهم بمثابة جهاز يلتقط كل إشارة سواء أكانت إشارة قوية أو ضعيفة، ثم يعيد ترجمتها وتشكيلها لتتناسب مع عقله وتأخذ في النمو معه. فإذا كان ما يلتقطه العقل الصغير جوانب سلبية وممارسات سيئة، فهو سيلتقطها ويعمل وفقها دون أن يميز بين السليم والسقيم، وبين الصح والخطأ، ثم ينمو الطفل على مثل هذه الجوانب الغير صحية، وهي أيضاً تنمو وتكبر معه، وفي نهاية المطاف نكون كمن أوجد طفل مشوه ويافع متهور ومراهق غير منضبط ثم شاب منفلت متمرد على الأنظمة والقوانين، وعندها نسمع الأم أو الأب، يبكون ويقولون بأنهما قد وفرا لأبنهم كل شيء ولم يحرماه، ويستغربان ما آلت إليه الأمور.

الطفل كالعجينة تماماً يمكن تشكيلها كما نريد، فإما أن نغذيه بالقيم والمبادئ القويمة والنشأة الصالحة، وإما أن يهمل فيتلقى معارفه ومعلوماته ومبادئه من أناس ليسوا أهلاً ليكونوا قدوة ومثال يحتذى به.

هناك جانب آخر يتعلق بالطفولة والأطفال، يتعلق بعدم فهم طبيعتهم وطريقة تنشئتهم وتربيتهم، حيث يعتقد بعض الأمهات والآباء أن التعنيف ينحصر أو محدود في الإيذاء الجسدي، في الضرب.

وهذا بطبيعة الحال غير صحيح، لأن هناك ممارسة كبيرة ومنتشرة يتعرض لها الطفل وهي الإيذاء النفسي، وهو قد يكون أكثر قسوة، بل قد يساهم في تحطيم معنويات الطفل، والمدهش بحق أن عمليات التعنيف والقسوة على الطفل والتي يتعرض لها من جانب نفسي ومعنوي يتعرض لها داخل منزل أسرته، وإذا تم استبعاد العنف الجسدي، فإنه لن يسلم من العنف اللفظي والذي يحمل استهزاء وتهكم وسخرية من الطفل، وأسوق لكم واحدة من الممارسات التي قد تكون مؤذية بحق الطفل وتؤثر على نموه النفسي بشكل صحي، وهي عندما يخطئ الطفل في لفظ كلمات محددة أو يصعب عليه لفظ البعض من الحروف، بسبب صغر سنه وكونه في مرحلة النمو اللفظي، فتصبح هذه الأخطاء مادة للتندر والضحك والسخرية، فما الحل أمام الطفل لتجنب هذه الحفلة التهكمية التي تقلل من شأنه ومن قيمته ومكانته حتى أمام أقرانه، سوى أن يلوذ بالصمت ومحاولة أن يقلل قدر الإمكان من الاحتكاك والتحدث مع الآخرين ليتجنب الخطأ الذي سيقود نحو موجة من الضحك عليه. أو أن يلجأ للعدوانية والتعارك مع كل من يسخر منه، فإذا سخر منه طفل في نفس سنه فإنه سيوسعه ضرباً،

وأما إذا تعرض للسخرية ممن هو أكبر سناً، فقد يلجأ لرميه بلعبة أو حذاء أو نحوها وعندها ستكون ردة فعل البالغ كبيرة عنيفة وقد تصل للاعتداء الجسدي على الطفل، وأقلها الصراخ في وجهه، وأن كل الذي فعله هو اللعب والضحك معه ولا أكثر، لكن الطفل غير مؤدب ولم يتم تعليمه أصول الاحترام خاصة لمن هو أكبر سناً. وكما هو واضح فإن الطفل في كلا الحالتين خاسر، ولن يستطيع الدفاع عن نفسه، ويمكن أن أسوق لكم عشرات النماذج لسلوكيات لفظية قاسية يتعرض لها الطفل من أقرب الناس إليه في أسرته دون أن يعلموا بأنهم يمارسون إيذاء وعنف لفظي تجاه طفل صغير في مقتبل الحياة لم تتشكل معالم الشخصية ولم يكون أي مبدأ ولا فكرة عن قادم الأيام.

 الأطفال بصفة عامة يحتاجون لرعاية نفسية لا تقل أهمية عن غذائهم وملبسهم، لذا عندما نقوم بتربيتهم فإن الجانب النفسي لا يجب إغفاله لأنه لا يقل أهمية وحيوية في تنشئتهم بشكل سليم وصحي.

Email