نعم للمعرفة ونعم للسؤال

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا نسعى نحو المعرفة؟ لأنها القوة التي تميزنا، والعلم الذي بواسطته نرتقي ونحلق نحو الفضاء، لذلك يجب أن نشجع السؤال والتقصي، وننمي ثقافة الاستفهام من أجل التعلم، ولا يمكن أن يتم احتقار أي تساؤل أو التقليل منه أو من صاحبه. أتذكر في هذا السياق قصة تقول: إن أحد الأشخاص سأل سقراط عن سبب ملوحة مياه البحر، فأجابه قائلاً: إذا علمتني المنفعة من ذلك أخبرتك السبب؟! أتعجب لم يكتف سقراط بإجابته وحسب دون الرد عليه بهذه الطريقة؟ فهذا النوع من الأسئلة ليس تافهاً، ولا يمكن اعتباره مضيعة للوقت، بل في الحقيقة ما يحير العلماء ويشغل هواجسهم هي تلك الأسئلة البديهية، التي رغم تلقائيتها وبساطتها تحتاج للبحث والتقصي والتعمق في العلم.

لم يكن سقراط يعلم الإجابة أصلاً والسبب بسيط وهو أن سبب ملوحة ماء البحر لم يكن قابلاً للاكتشاف في عهده أي قبل أكثر من ألفي عام، بل كان يحتاج لملاحظة شديدة من قبل علماء الجيولوجيا، بالإضافة لأبحاث كيميائية واكتشاف عناصر جديدة تسبب هذه الملوحة، لقد أثبت العلم الحديث أن المحيطات عند تكونها قبل ملايين السنين لم تكن مالحة أصلاً، لأنها تكونت نتيجة هطول الأمطار على مدار سنين عديدة، أيضاً تكونت البحيرات والأنهار وتشبعت الصخور بالأملاح، لذلك، عندما تجري الأنهار لتصب في المحيطات فإنها تحتك بالصخور المشبعة بمركبات كيميائية تشكل الملوحة من هذه المركبات «كلوريد الصوديوم»، إذ يعد الصوديوم العنصر الأساسي لتكوين ملح البحار، فهو العنصر النشيط والقابل للتفاعل مع العناصر الأخرى بسهولة والذوبان أيضاً.

تيارات الأنهار تحمل هذه الأملاح بدرجة خفيفة ليس بمقدورنا ملاحظتها، ولكن حالما تصب هذه المياه في البحار والمحيطات فإن الأملاح تصبح مركزة بسبب حرارة الشمس، وبالتالي يصبح بمقدور حاسة التذوق لدينا أن تستشعر مدى ملوحة المحيطات والبحار، نعم، إنها معلومة جهلها سقراط، وليس في هذا تقليل من مكانته الفلسفية، فهو من العلماء الذين خلدهم التاريخ بكثير من الاعتزاز والتقدير طوال أكثر من ألفي عام، وما زالت آراؤه وكلماته تنير الطريق لكل باحث في مجال العلوم الإنسانية والفكرية.

نعم للمعرفة وللسؤال، لأنها من أهم مفاتيح هذه المعرفة.

 

Email