شواهد التقارب العربي - العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

العالم يتغير، المصالح تفرض قواعد جديدة، استباق الأزمات بات جزءاً من إدارة المتغيرات، الخلافات ليست خطأ، والمصالحات أيضاً ليست خطأ. اللحظة تفرض قواعد اللعبة، الذكاء أن تكون جاهزاً لتحويل الأزمة إلى فرصة، الاكتفاء بمقعد المشاهد يساوي خسارة محققة، الانخراط والتفاعل والمشاركة، مفردات كفيلة بإذابة جليد الخلافات.

العالم العربي يدرك أن الخرائط تتغير من حوله، وأن موازين القوى تفرض حسابات جديدة. فارق التوقيت يُعيد ترتيب مكان الجالسين في الصفوف الأولى للعالم.

إعادة التموضع العربي باتت ضرورة، وليست رفاهية، نيران الصراعات دائماً عابرة للحدود، الدول العربية لم تغفل محاولات كبرى تستهدف إعادة رسم الخرائط من حولها.

الحفاظ على استقرار الإقليم العربي، يتطلب تحركات من نوع خاص. الفراغ يخلق سباقاً غير محموم، نتائجه لا ترضي أياً من الأطراف.

الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لحزم حقائبها لمغادرة الشرق الأوسط، القرار ليس سهلاً وليس مفاجئاً، تداعياته فرصة عظمى يجب البناء عليها.

التقارب العربي - العربي الآن يقول: إن هناك إدراكاً قوياً للمعادلات المستقبلية الجديدة. كل الشواهد تقول إنه لا بديل عن العمل العربي المشترك، من أجل الحفاظ على مصالح الدولة الوطنية العربية.

السنوات القليلة الماضية أكدت قيمة ومعنى، أن تكون الدول العربية بجانب بعضها بعضاً.

الاختبارات الكبرى في الخلافات العظمى التي شهدتها بعض العواصم العربية، أكدت أن الإجابة لا بد أن تكون لمصلحة الاستقرار، والحفاظ على الأمن القومي العربي.

اللافت للنظر الآن في مشهد الخريطة العربية، أن الجميع يريد التوقيع على بياض تجاه الاستقرار واستعادة اللحمة العربية، وتحقيق الوحدة والتماسك، وطي صفحات الخلاف التي فرضها ما يسمى بـ «الربيع العربي».

ثمة متغيرات تحدث الآن. تقاربات في جميع الاتجاهات، إعادة نظر في ملفات قديمة متجددة، نافذة الرؤية تتسع. لدينا من الشواهد ما يؤكد أن التقارب العربي - العربي يسير في الاتجاه الصحيح.

قبل نحو عام، وتحديداً يوم 5 يناير من العام الجاري، جاء «بيان العلا» في المملكة العربية السعودية، ليكتب الصفحة الأولى في دفتر المصالحة العربية، تم وضع بنوده تحت الاختبار طوال الشهور الماضية. النتائج فاقت حسابات البعض. التقارب الرباعي العربي مع دولة قطر بات حقيقة، تضاءلت مساحات الاختلاف بين جميع الأطراف. الرغبة صادقة في بناء مرحلة جديدة عنوانها «العمل العربي المشترك»، إثبات مبدأ «حسن النوايا» ترجمته حالة الزخم العربي التي صنعتها الجولات والزيارات والاتصالات، واللقاءات الثنائية ومتعددة الأطراف.

الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، كانت من أولى الدول التي تدعو إلى التهدئة وبناء جسور السلام والوحدة والتماسك، والحفاظ على الدولة الوطنية العربية، بكل مؤسساتها، وحماية وحدة وسلامة كل الدول العربية، ورفض أية محاولات للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول العربية، والحرص على بناء رؤية عربية موحدة، للتعامل مع جميع الأزمات والقضايا، وهذا ما لمسناه خلال لقاءات الرئيس السيسي مع القادة والملوك والزعماء والأمراء العرب.

في الوقت نفسه تأتي تحركات واتصالات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لتؤكد ثبات التقارب العربي - العربي، وهذا ما ترجمته زياراته إلى مصر والسعودية، وما أعقبها من اتصال تلقاه من الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي يسهم بشكل كبير في خلق بيئة إيجابية لتعميق أواصر التعاون العربي المشترك.

تأتي أيضاً جولة الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، إلى دول مجلس التعاون الخليجي، لتمثل خطوة إضافية لتعزيز المشتركات بين مجلس التعاون الخليجي، بما ينعكس إيجاباً على المنطقة العربية.

من بين شواهد هذا التقارب التي تستحق التوقف أمامها، هو الشاهد الذي يتعلق بالدولة السورية، فقد شاهدنا خلال الأسابيع والشهور الماضية، زخماً ونشاطاً كبيرين، يتعلقان بالحرص على عودة سوريا إلى مقعدها الطبيعي بجامعة الدول العربية، الأمر الذي يؤكد مسار التقارب العربي مع العرب أنفسهم ومع سوريا كمحور رئيسي للعلاقات العربية - العربية.

هذا التقارب أيضاً تؤكده المواقف العربية حيال خريطة الطريق في ليبيا، إذ إن جميع الدول العربية، بلا استثناء، أيدت إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر الجاري، وهو يصب في صالح الرغبة الحقيقية لمواصلة استعادة الاستقرار في العواصم العربية، التي شهدت قلاقل وخلافات داخلية طوال الفترات الماضية.

إذاً، كل هذه الشواهد تقول: إن الدول العربية اختارت طريقاً يقوم على نسيان الخلافات، وبدء مرحلة جديدة، تُعلي من القيم العربية المشتركة، وتؤسس لمرحلة عنوانها: «معاً في مواجهة التحديات».

 

*  رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email