ماذا نتوقع من قمة الجزائر ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنا في احتفال بالعيد الوطني لإحدى الدول العربية الشقيقة، لفيف من كبار الشخصيات والمفكرين والدبلوماسيين، كل يتبادل أطراف الحديث مع الآخر.

بينما همس في أذني صديق دبلوماسي مهموم بالشأن العربي متسائلاً: هل تتوقع شيئاً ملموساً وجديداً من القمة العربية المقبلة بالجزائر؟

صمتُ قليلاً، لكنني حاولت أن أمسك بخيوط الأمل، وأبدد أي محاولات للتشاؤم، وأجبته قائلاً: يا صديقي علينا أن نتفاءل، بل ونطلب المزيد من التفاؤل، وعلينا أن نخرج من دائرة عدم اليقين التي سكنت الإقليم العربي منذ ما يسمى بالربيع العربي عام 2011، ثم واصلت حديثي له:

الجزائر دولة عربية شقيقة، وفي صالحها وصالح جميع الدول العربية، إحراز وتحقيق كل تقدم منشود في هذا التوقيت، وأنا أتوقع أن هناك شواهد عديدة تقول بنجاح هذه القمة، وخروجها بقرارات غير تقليدية، فعلى سبيل المثال، إن هذه القمة ستكون بعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية، المقرر إجراؤها يوم 24 ديسمبر.

وهذا من شأنه أن يفتح الشهية الدبلوماسية العربية للبناء على ما تحقق في ليبيا، وطي صفحة الأزمة الليبية التي استمرت نحو عقد من الزمان.

فضلاً عن أن الذهاب إلى القمة بعد هذه الانتخابات، سيكون محملاً بطعم إنجاز، ونجاح تم في عاصمة عربية، يضاف استقرارها إلى العواصم التي استعادت أمنها واستقرارها خلال الفترات الماضية.

أما الشاهد الثاني: فإن هذه القمة تأتي أيضاً بعد نجاح الانتخابات البرلمانية العراقية، التي تمت في العاشر من أكتوبر الماضي، وأعطت دفعة قوية لاستقرار الأوضاع في العراق، والاحتكام لصناديق الاقتراع، لاستكمال خريطة الطريق التي يعتبرها الشعب العراقي خطوة مهمة نحو استعادة الدولة الوطنية العراقية.

أما الشاهد الثالث فيتعلق بظهور بوادر تلوح في الأفق اللبناني، بشأن حلحلة الأزمة الاقتصادية، لا سيما بعد أن تم الاتفاق على سلسلة من الإجراءات الاقتصادية، التي تضمنت توصيل الغاز المصري عبر خط الغاز العربي، الذي يمر بالأردن وسوريا وصولاً إلى لبنان، وهذا من شأنه يزيد من مساحة التفاؤل، في قدرة الدول على تقديم حلول عربية للأزمات المتلاحقة بالمنطقة، بعد أن كانت المشاكل رهن تحركات ومبادرات خارجية.

يأتي الشاهد الرابع متعلقاً بالقضية الفلسطينية، إذ إن الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن، قررت فتح قنصلية أمريكية في القدس، برغم الاعتراض الإسرائيلي الشديد على هذا القرار، وهذا ما يؤشر إلى إمكانية استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، بهدف الوصول إلى حل سلمي وعادل وشامل للقضية الفلسطينية.

أما الشاهد الخامس فيستحق التوقف أمامه كثيراً، لا سيما أنه يتعلق بعودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، في ظل ظهور بيئة سياسية ودبلوماسية جديدة، تدعم فكرة عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية مرة أخرى، وهذا ما تجلى في العديد من الاتصالات والتصريحات الإيجابية لقادة الدول العربية، حول استقرار سوريا ودورها في المنطقة العربية.

إذاً وسط كل هذه المؤشرات الإيجابية التي سردتها إلى صديقي الدبلوماسي، بدا عليه الاطمئنان والثقة في هذه القمة المقبلة، وحاولت تبديد أية مخاوف لديه بمزيد من التوقعات المنتظرة قائلاً له:

أتوقع أن تشهد قمة الجزائر عودة سوريا إلى مقعدها الطبيعي، ليس فقط باعتبارها من الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، لكن أيضاً انطلاقاً من أهمية سوريا، ودورها التاريخي في المنطقة والأمن القومي العربي.

كما أنني أتوقع أن يكون هناك مزيد من التقارب والتلاحم العربي حيال كل التحديات والقضايا العالقة، التي تشكل مصادر تهديد للأمن القومي العربي، مثل قضية مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، فضلاً عن تفعيل المقررات العربية، بشأن مواجهة أي تدخلات إقليمية أو دولية في الشؤون الداخلية للدول العربية.

في النهاية أقول إن سؤال صديقي، والشواهد التي ذكرتها له، والتوقعات التي استمع إليها، تقول إننا أمام قمة تاريخية لديها كل مؤهلات النجاح والإنجاز.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

 

Email