الناجون هم المبتكرون، والراغبون في نهضة بلدانهم وتقدم شعوبهم هم الأكثر دعماً لتوفير أجواء الابتكار ودعم أصحاب الميول والمهارات الابتكارية.

العالم أدرك أهمية الابتكار قبل زمن ليس ببعيد، قبلها كان الاهتمام منصباً على الاختراع فقط، والفرق بينهما يكمن في أن الاختراع هو خلق منتج أو جهاز جديد فريد من نوعه، في حين الابتكار يعني إخضاع منتجات أو معدات موجودة بالفعل لتغييرات تجعلها أكثر فائدة أو سهولة في الاستخدام، وقد عزز الابتكار قدرات البشر على الاستجابة للتغيرات العديدة التي تحدث في مجتمعاتهم وعلى كوكبهم، ومكنهم من اكتشاف المزيد من الفرص والإمكانات في المبتكرات الموجودة بالفعل.

وإذا كان الابتكار مهماً في الأزمنة العادية، فهو حيوي ومحوري في الزمن غير العادي الذي نعيشه، ويكفي أن غالبية المراكز البحثية والمؤسسات المعنية بحاضر البشرية ومستقبلها تتناول أهمية الابتكار كوسيلة لمساعدة البشرية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل الوباء الحالي.

مؤشر الابتكار العالمي السنوي الصادر قبل أيام لعام 2021 يتتبع الابتكار في ظل أزمة (كوفيد 19) وتأثيرها على مؤشراته في دول العالم المختلفة، وهو يخبرنا بأن الإمارات تتبوأ المكانة الـ33 من بين 132 دولة في العالم. مؤشر هذا العام يقول إنه على الرغم من الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن الوباء، إلا أن عدداً من الحكومات والمؤسسات في العالم نجح في زيادة الاستثمارات في مجال الابتكار، وهذا رائع.

وبحسب المؤشر الذي تصدره «المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، فإن الإمارات بهذه المكانة تأتي على رأس الدول العربية في مجال الابتكار، وتحقق تقدماً مرتبة واحدة مقارنة بالعام الماضي، وهذا يعني أن عجلة الابتكار ماضية قدماً رغم أنف الجائحة العالمية.

وفي «مؤشر دبي للابتكار»، يبرز اسم دبي ضمن أفضل 20 مدينة في العالم لتتفوق على مدن عالمية مثل مدريد وشنغهاي وميلانو وساوباولو وموسكو. عودة الحياة إلى طبيعتها في الإمارات، ودبي على وجه الخصوص، مع قدرة قطاعات عدة على المحافظة على معدلات نمو قوية وخروج «إكسبو 2020 دبي» إلى النور، وغيرها من الفعاليات التي تزخر بها دبي، أمور تبرهن على أن الاستثمار في دعائم الابتكار وتوفير بيئة مناسبة ومستدامة له أثمر ثماراً إيجابية للجميع، فركائز الحكومة المرنة والبنية التحتية وبيئة الأعمال المناسبة والمجتمع القادر بتركيبته ليس فقط على استيعاب قيمة الابتكار بل تشجيعها والعمل على نشرها جميعاً توافرت في دبي على مدار سنوات طويلة. والحقيقة أن العامين الأخيرين، أي منذ بدء الجائحة، كفيلان بإثبات أن الاستثمار في الابتكار والمبتكرين والمبتكرات هو الاستثمار الأمثل للمستقبل وللطوارئ، وبدت الإمارات في هذا الاستثمار واضحة ليس فقط في الاستخدام البشري الأمثل للروبوتات وغيرها من التقنيات الحديثة في عمليات التعقيم والترصد والحماية والفحص وتطبيق الإجراءات الاحترازية، بل في القدرة على استخدام الابتكار العلمي في تسجيل تسلسل الجينوم الخاص بالفيروس، وتدشين ثاني أكبر مختبر في العالم لتشخيص الإصابة بالفيروس وغيرها كثير.

وإذا كان الاستثمار في الابتكار أثبت فعالية وفائدة عظيمتين في مواجهة الجائحة في ظروف الطوارئ، فإنه مستمر في خدمة الاقتصاد والعمل والتعليم والصحة والترفيه وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية. ولولا الابتكار وتشجيع المبتكرين لما نجح كثيرون في الخروج من الأزمات الطاحنة التي تسببت فيها الجائحة ونجم عنها خسارة الملايين لأعمالهم ومصدر رزقهم وحتى فرص التعلم والحصول على نصائح طبية. التطبيقات العنكبوتية التي خرجت إلى النور في زمن الوباء خير ترجمة لأهمية الابتكار في حياة البشر في القرن الـ21.

التطبيقات شملت مجالات لم تكن تطرأ على البال، حيث شرح الدروس وتقديم الخدمات ومنها الاستشارات الصحية التي تعذرت في زمن الإغلاق وتوصيل الطلبات في أوقات الإغلاق وتنظيم جداول للمتبرعين بتقديم الدعم للمعزولين في بيوتهم، ناهيك عن مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر خرجت إلى النور بفضل الجائحة وأجواء دعم الابتكار. هذه الابتكارات وغيرها ساعدت في إبقاء ملايين البشر على قيد الحياة وفي صميمها وليس فقط على هامشها.

ما تنبهت إليه دبي منذ سنوات هو أن الابتكار يعني المستقبل. هذا الابتكار أشبه بثقافة قائمة بذاتها. لا يمكن خلق مناخ مناسب له دون أن يكون المجتمع جاهزاً لاستيعابه، والإمكانات المادية والعلمية والبحثية متوافرة وقبل كل ذلك الإرادة السياسية متوافرة ومستمرة. والحقيقة أن المدن والدول التي هيمنت على رأس قوائم «الأكثر ابتكاراً» هي تلك التي استشرفت التحديات ورأت التغيرات الكبرى تتواتر ومعدلاتها تتسارع، فقررت عدم الاكتفاء بالمناهج التنموية القديمة واعتنقت الجرأة منهجاً والابتكار سبيلاً.

أغلب الظن أن جانباً كبيراً مما حققته دبي من إنجاز رائع على صعيد الابتكار يعود إلى تحوله إلى معنى مرادف لها. ويكفي أن تُذكر كلمة «دبي» في شرق العالم أو غربه ليتبادر إلى الذهن صورة مجتمع يتسع للجميع ويرحب بالعقول الشابة والقلوب المتحررة من الجمود والأفكار المبتكرة التي تجعل من الابتكار أسلوب حياة.

* كاتبة صحافية مصرية