50 عاماً من التحدي والنجاح

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مثل هذه الأيام المجيدة منذ 50 عاماً كان العرب جميعاً وكان العالم على موعد مع القدر.. مع الإعلان المدوي لقادة الإمارات العربية المتحدة لقيام دولة الاتحاد والوحدة بين الإمارات العربية السبع بعد جهود كبيرة لمؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، مع المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، وباقي حكام الإمارات في ذلك الوقت. كان إعلان دولة الإمارات مفاجأة لم يستوعبها الكثير من العرب، وتمنوا أن تكون مفاجأة سارة ومفرحة وبقعة ضوء تخترق جدران السواد التي عاش داخلها العرب بعد هزيمة 5 يونيو 1967. لكن كان التحدي ومواجهة المستحيل من أجل إعلان الدولة، وتأكيد أن الوحدة فكرة لا يمكن أن تموت رغم النكسة والهزيمة التي ألقت بآثارها الحزينة فوق الخارطة العربية ونشوء تيار الردة على الفكر الوحدوي والدعوة إلى الانفصالية وإشاعة مناخ من اليأس والإحباط.

جاءت دولة الإمارات بارقة وشعاع أمل كبير من على ضفاف الخليج العربي امتدت خيوطه إلى كل العواصم العربية، واحتفل العرب بالدولة الجديدة.. من أبوظبي إلى القاهرة ومن الرياض إلى عمان ومن الخرطوم إلى الدار البيضاء والجزائر ومن بيروت إلى دمشق وصولاً إلى صنعاء. ومن يتابع الصحف العربية في ذلك الوقت يتيقن أن الاحتفال بدولة الإمارات العربية المتحدة كان احتفال واحتفاء كل عاصمة عربية بالدولة الجديدة تحت قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، التي منحت العرب جميعاً الأمل في تجاوز اليأس والهزيمة والانطلاق نحو المستقبل.

نصف قرن منذ الإعلان عن دولة الإمارات العربية المتحدة أثبتت أن المستحيل كلمة لا يعرفها إلا العاجزون وذوي الإرادة الضعيفة. قادة الإمارات لم يعرفوا المستحيل ومضوا وسط التحديات والمخاطر لبناء دولة باتت نموذجاً للدولة العربية العصرية وبقيم عربية خالصة.

كان هذا هو التحدي الأول للوحدة والتماسك ومواجهه أفكار التشرذم والتفتت والاستسلام للهزيمة. نجحت الإمارات في التحدي والاختبار الأول بامتياز صفق له وفرح به العرب وانبهر به العالم واندهش له.

ثم كان المستحيل والتحدي الآخر، وهو الأصعب والأكثر شراسة.. وهو تحدي بناء مؤسسات الدولة وبناء الدولة وسط محيط صحراوي لم يتفاءل به الكثيرون، وتشككوا أن تنهض دولة ليس لديها أية موارد وسط هذه الصحاري الجافة القاسية. لم تكن تملك الدولة سوى إرادة الإنسان وبصيرة حاكم وإيمانه بالمستقبل.

في وقت قصير تحولت الإمارات من دولة صحراوية إلى دولة نموذج في الرقى والتقدم والبناء والعمران ونموذج أيضاً للتسامح الإنساني والحضاري لكل الجنسيات التي تعيش على أرضها، وأصبحت مضرب الأمثال لكثير من الدول في المنطقة في كيفية مواجهة التحديات الصعبة وفي تحقيق التنمية والتقدم في مجالات كثيرة، والقضية ليست فقط في الوفرة والنفط وإنما في التخطيط والإرادة وتوظيف الثروة في بناء الدولة، وعشنا نماذج للسلطة في الوطن العربي أهدرت ثروات أمتها، وتركت شعوبها تعاني الفقر والجهل والمرض. في رأيي، إن مرور نصف قرن على إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة ليس فقط مناسبة احتفالية، وإنما دعوة للتأمل والدراسة والبحث في التجربة الوحدوية للإمارات، والاستفادة منها.

فقد نشأت الدولة بعد سنوات قليلة من هزيمة 5 يونيو 67، وتصور البعض أن المشروع القومي الناصري قد سقط وتحطم ولم يتبقَ منه سوى أوهام، وأن مشروع الوحدة قد ذهب إلى غير رجعة مع هزيمة يونيو.

وسط هذا الركام من التشاؤم والانكسار والحزن واليأس وتخلي بعض رموز النخبة السياسية والثقافية في مصر والوطن العربي عن فكرة الوحدة، كما نادى بها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كان هناك على أقصى طرف الخليج العربي من يتمسك بالأمل في مواجهة حالة اليأس، ويعلن دولة وحدوية جديدة في مواجهة دعوات التشرذم والتفتت وعدم الإيمان واليقين بفكرة الوحدة، كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يسعى إلى الحلم في مواجهة ما ظنه البعض مستحيلاً، مع باقي إخوانه في الإمارات الأخرى، والتقت الإرادة مع الحلم وبعد 4 سنوات من الهزيمة بزغ حلم الدولة الاتحادية في الإمارات كشعاع ساطع يهتك ستائر اليأس والهزيمة، وأعلن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، للعالم عن دولة الإمارات العربية المتحدة.

هذه عبقرية اتحاد الإمارات وأهمية الاحتفال به الآن. وفى ظل تحديات تواجه الوطن العربي وتعرّض دول تقليدية وقديمة فيه إلى التفتت والانقسام إلى دويلات صغيرة تحافظ الإمارات على قوتها وتماسكها، وهذا هو سر النجاح الحقيقي لهذه الدولة التي باتت مقياساً للنجاح وللتحدي والإرادة في بناء الأوطان ورقيها وتقدمها.

وهنا أتمنى أن يعقد مؤتمر يحضره كل المثقفين والنخبة العرب للاحتفال أولاً بالتجربة، وثانياً، وهو الأهم، دراستها والاستفادة منها بعد مرور 50 عاماً... كل عام وشعب الإمارات في رفاهية ورخاء واستقرار.

Email