الانحياز لمن يستحق

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس انحيازاً ولكنها الحقيقة، الأرقام لا تكذب، ولا تبالغ، ولا تمنح إلا لمن يستحقها، وقد منحت دولة الإمارات العلامات الكاملة في عشرات المؤشرات الدولية، وهي الدولة التي تنهي العقد الخامس من عمرها في هذه الأيام، وهذا زمن قبل الإمارات كان لا يحسب في عمر الدول، ولكنه الاستثناء، منذ اللحظة الأولى التي طرح فيها مشروع الاتحاد لمجموعة من الإمارات المتفرقة في هذه البقعة المجهولة لبلاد العرب وشعوبها، وكانت البداية في 1968 عندما اجتمع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، طيب الله ثراهما، في نقطة التقاء حدودية، بمنطقة اسمها «سيح السديرة»، حيث نصبت خيمة وسط الصحراء، ولم يلتفت أحد لهذا الاجتماع، ولم يكن أكثر الناس تفاؤلاً بأهميته يعتقد بأن النتائج ستتجاوز حل بعض المسائل الحدودية العالقة قبل مغادرة الإنجليز للمنطقة، وكان ذلك أمراً مطلوباً وحلماً يراود الجميع، ولا شيء أكثر من ذلك.

من «سيح السديرة» بدأت ملامح الاستثناء تبزغ في أقصى جنوب شرق الأمة، فقد اتفق زايد وراشد على الاتحاد، وأصبح الماضي خلفهما، وتلاشت القضايا التي كانت عصية قبل هذا الاجتماع التاريخي، وبدأ البعض يلتفت إلى ذلك الحدث المعلن، اتحاد عربي جديد في نهاية العقد الذي شهد فشل عدة محاولات للوحدة بين الدول العربية الكبيرة والرائدة، وسادت نظرة عامة متشائمة، ولكن كان لزايد رأي آخر، فهو ينظر إلى البعيد، نحو محيطه الشاسع، حيث الشارقة ورأس الخيمة وعجمان وأم القيوين والفجيرة يميناً، وعلى شماله قطر والبحرين، أراده اتحاداً يشمل الجميع، وبدأ يتحرك، ونجح في جمع الشمل، ولكن ظروفاً حالت دون انضمام قطر والبحرين في المراحل الأخيرة التي سبقت انتهاء معاهدات الحماية البريطانية.

وفي الثاني من ديسمبر 1971 أعلن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة مستقلة ذات سيادة، رئيسها زايد ونائب الرئيس راشد، وكانت نظرة الآخرين لاتزال ترى تجربة وحدوية عربية ستلحق بالتجارب التي سبقتها، بينما ما ترسخ في فكر الشيخ زايد عكس ذلك، فقد كان مؤمناً منذ البداية بأنه سيحدث الفارق، معتمداً على غاية يسعى إليها، ومصداقية يعرف أنها تحكم علاقة الحكام ببعضهم البعض، وكانت ثقته في محلها، وثقة إخوانه الحكام في منحه قيادة الدولة والانطلاق بها ناتجة عن قناعة تامة بأن هذا القائد استثنائي، قل أن يجود الزمان بمثله، ومرة أخرى أقول لكم إنه ليس انحيازاً أن أصف زايد، طيب الله ثراه، بهذا الوصف، فهو القامة التي سندت هذه الدولة، ولو انحزت فذلك من حقي، بعد معايشتي لكل خطوات التأسيس والبناء، ومتابعتي اللصيقة لكل خطوة منها، فقد قضيت 45 عاماً من الخمسين الاتحادية في مهنة الصحافة التي جعلتني قريباً في أحيان كثيرة من القيادة ومنجزاتها، ومتابعة الشأن العام، وكنت محظوظاً عندما انضممت إلى الوفود المرافقة لرئيس الدولة في رحلاته الخارجية، وكم تعلمت من مدرسة زايد في 15 رحلة، اختصرت لي كثيراً من التساؤلات، وقدمت الإجابات، لذلك عندما أتحدث عن قائد استثنائي أؤكد حقيقة هي ماثلة أمام الجميع، ولأنه كذلك أصبحت دولة الإمارات من بين كل دول العالم حالة استثنائية، جعلت قادة دول يسألون عن السر وراء ما يرون وما يسمعون عن المدى الذي بلغته هذه الدولة.

وعلى النهج نفسه سارت دولة الإمارات بعد رحيل زايد، ومن قبله راشد وجيل الحكام الأول، وأكمل خليفة بن زايد المسيرة، وهو الذي رافق والده في كل خطوة خطاها قبل الاتحاد وبعده، ومعه على اليمين محمد بن راشد نائبه ورئيس وزراء الدولة وحاكم دبي التي اخترقت كل المعايير الدولية، وقدمت نموذجاً تضرب به الأمثال، وتسعى الدول للاحتذاء به، وعلى يساره محمد بن زايد ولي عهده ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجهاز التنفيذي في أبوظبي، صاحب المبادرات الشجاعة، والمواقف التي لا تلين، وفي كل يوم تحقق هذه الدولة التي بالكاد تبلغ الخمسين في الثاني من ديسمبر إنجازاً يضعها على قمة من القمم الدولية، وكان آخرها المركز الأول على قائمة الدول في «تجوال السكان ليلاً بمفردهم» والمرتبة الثانية عالمياً لأكثر البلدان أماناً، ومن قبلها تجاوزت الجميع في التنافسية والأكثر شفافية، والأكثر استقطاباً للمستثمرين وأصحاب الثروات، و«الدولة الأكثر جذباً للشباب للعمل بها»، والأولى عالمياً في حجم المساعدات الإنسانية نسبة إلى دخلها، والأكثر أماناً لرؤوس الأموال والمشاريع، وهي صاحبة أقوى جواز سفر على المستوى الدولي.

هذه دولتنا التي تحتفل بمرور خمسة عقود على لحظة تحقق حلم الاتحاد والانطلاق حتى بلغت نقطة بينها وبين كل من يفكرون في اللحاق بها مسيرة دهر من الزمان، والدهر قد يكون خمسين عاماً، وقد يكون قرناً كاملاً.

ينشر بالتزامن مع « الأهرام العربي »

 

Email