آفاق نصف قرن

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان الخليج العربي يتنسم أجواء الاستقلال، واستكمال خرائط الخصوصية، وكتابة تاريخ جديد حول مستقبل العروبة. تذكرة سفر إلى المستقبل بتوقيع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قادت إلى يوم الثاني من ديسمبر عام 1971، إلى تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.. التاريخ فاصل، والحدث تاريخي.

نصف قرن مضى على تأسيس دولة الإمارات، بصمة المؤسس لا تزال حاضرة بقوة في عقل ووجدان العالم العربي. كلما مرت الأزمنة على التأسيس، ازدادت قيمة حكيم العرب في عيون أشقائه، فهو لم يكن شخصاً عادياً، كان بعيد النظر، ثاقب الرؤية في التعامل مع دولته، وجيرانه، استطاع أن يؤكد نموذج الوحدة بتطبيقه على أرض الواقع. كان صاحب قدرة على وضع الأوزان في مقاديرها الصحيحة، يمتلك فلسفة طويلة المدى وحكمة الأوقات الصعبة.

دولة الإمارات منذ تأسيسها واستقلالها، تربطها بمصر علاقات خاصة ومتفردة، على مختلف الاتجاهات والأصعدة، الحاضر والماضي والمستقبل، يقول: إننا أمام دولتين وشعبين يربطهما مصير واحد، فقد قال حكيم العرب لأبنائه في وصيته الشهيرة: «نهضة مصر.. نهضة للعرب كلهم»، وأكد لهم أن يكونوا دائماً إلى جانب مصر، وأن ذلك هو الطريق لتحقيق العزة للعرب، وأن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة، هكذا قال الأب لأبنائه، وهكذا أخلص الأبناء. الأجيال تتوارث قيماً ومبادئ نلمسها بقوة في العلاقات المصرية - الإماراتية.

التاريخ حافل بالأحداث المضيئة بين الدولتين، قيادة وشعباً، المصير واحد والتحديات مشتركة، بل إنها باتت أكثر صعوبة، الوحدة والتماسك بين البلدين أقصر الطرق لمواجهة كل هذه التحديات التي تموج بها المنطقة والإقليم.

العلاقة بين البلدين باتت لها خصوصية فريدة، فمنذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مهمة قيادة الدولة المصرية، وهو يؤكد قيمة وأهمية دولة الإمارات بالنسبة لمصر وشعبها، فدائماً يضع في أولوياته وحدة الصف العربي، والحفاظ على الأمن القومي لمنطقة الخليج، الذي يعتبره جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

من يقرأ تفاصيل اللقاءات والزيارات المتبادلة بين القيادتين المصرية والإماراتية، يتأكد له أن هناك تطابقاً قوياً وعميقاً في وجهات النظر حول القضايا والمسارات العربية والإقليمية والدولية، فقد شهدت اللقاءات على التنسيق الوثيق والكامل تجاه القضايا الرئيسية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والوضع في ليبيا، وسوريا، والعراق واليمن، الأمر الذي أسهم في تبريد الصراعات وتهدئة التوترات، والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة الوطنية العربية، هذا فضلاً عن السعي الدائم من قبل البلدين، لتكثيف العمل العربي المشترك والجهود الدولية للتوصل إلى حلول سياسية لجميع الأزمات الإقليمية، لا سيما المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والجماعات المسلحة، وكل من يشكل خطراً على الأمن القومي العربي، فقد أيقنت السنوات الماضية أن البلدين لديهما تصور مشترك ومتطابق تجاه مواجهة الإرهاب في المنطقة والإقليم.

إذن نحن أمام ناظم وطني مشترك بين البلدين، قيادة وشعباً، ينطلق من علاقات تاريخية راسخة، وضع أساسها المؤسس لدولة الإمارات، وأيضاً أمام رؤية مستقبلية، يحرص الأبناء على تطبيقها ودعمها في كل المجالات والمسارات.

الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي تحرص كل الحرص على تعميق العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة في جميع الملفات، خصوصاً التي تتعلق بالحفاظ على أسس وثوابت وأركان الدولة الوطنية، في ظل ما شهدته المنطقة من مخاطر وتحديات ما يسمى بالربيع العربي، وتركت آثاراً سلبية، لا تزال الشعوب العربية تدفع أثماناً باهظة لها.

في تقديري أنه بعد مرور نصف قرن على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن آفاق تجربة الوحدة اتسعت لقيم عديدة مثل التسامح والأخوة والعروبة، كما أن آفاق نموذجية العلاقات المصرية - الإماراتية، لعبت أيضاً دوراً كبيراً وفاصلاً في تجنيب المنطقة الكثير من المخاطر والتهديدات، بل إنها باتت تشكل حائط صد قوياً في بناء مستقبل، ليس لشعبهما فقط، بل لكل الشعوب العربية.

 

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email