فريق الوطن.. ومضة في صناعة الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تمتلئ الروح بالحكمة، ويكتنز العقل بالخبرة، وتستنير البصيرة بالمعرفة، تصبح الكلمات القليلة هي وسيلة التعبير المُثلى لدى الإنسان الحكيم، وهذا هو النهج الذي اختاره حكيم الوطن وشاعره وقائده الميمون الجسور صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، الذي كتب أجمل قصة لهذا الوطن: إعماراً وبناءً، وألقاً وإبداعاً، وشعراً ونثراً، ونقش اسمه على صخرة الخلود بين الأوطان التي تزهو بذاتها الحضارية وبقادتها الكبار، وبإنسانها الطيب الأصيل المِعطاء، لتصبح قصة الإمارات هي قصة الوطن المكافح السعيد بقادته وأبنائه، الفخور بإنجازاته، الممدود اليد لأشقائه وأصدقائه ليكون هو النموذج الأغلى والأعلى بين الأمم والشعوب التي عرفت لهذا الوطن قدره ومكانته بين الشعوب، فوضعت ثقتها فيه، وعبّرت بوسائل شتى عن احترامها لهذه الدولة التي تأسست على الصدق والوضوح واحترام الذات، وبذل أقصى الجهد في سبيل رفعة الوطن وإعلاء شأنه.

ومنذ فترة ليست بالقصيرة يطالعنا صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد بومضات فريدة تؤسس لبناء الحسّ القيادي لدى الإنسان الإماراتي من خلال ما تشتمل عليه من بوارق الأمل، وعمق الخبرة، وفتح نوافذ العمل، وشحذ الهمة وتأكيد القيمة الحقيقية للإنسان والتي تتجسد بمقدار ما يعطي لبلاده وما يبذل من جهد في سبيل رفعتها، وها هو ما زال ينشر ثقافة الأمل ويرسخ روح العطاء بهذه الومضات الفريدة التي ينشرها تحت وسم «ومضات قيادية» والتي ننتظرها باشتياق صادق، ونتذوقها بإحساس مرهف، وننتفع بما تختزنه من جواهر الحكمة وعميق الخبرة والتجربة، ونحن اليوم مع واحدة من الومضات هي من أروع ما نشره صاحب السمو تحت هذا الوسم حيث تكلم عن الروح العامة الشاملة التي تقود الوطن، وتنشر البهجة والسعادة في ربوعه الفواحة بعطر المجد وبريق الحياة الرائعة.

«دولة الإمارات عندها أكبر فريق عمل واحد، وأفضل فريق عمل واحد» فهي كالجسد الواحد المتلاحم الذي لا يسمح بوجود أدنى ثغرة في هذا البناء المتين، وتحتل مفردة «فريق العمل» مكانة مركزية في تفكير صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، وقد أفسح لها مكاناً واسعاً في كتابه البديع «رؤيتي: التحديات في سباق التميز» حيث عقد فصلاً فائق الروعة والفائدة تحدث فيه عن العمق التاريخي لفكرة فريق العمل في الوعي الإماراتي، ورجع بالذاكرة إلى سيرة الأجداد من صيادي اللؤلؤ في أعماق البحار في رحلات الغوص الشهيرة، وكيف أن تلك الرحلات هي مثال جيد لإدراك أهمية الفريق، وبحسب عبارة صاحب السموّ «فلكل فردٍ من أفراده عمل محدد يقدمه في الوقت المناسب بأفضل أداء ممكن، وإنّ تعاون الجميع هو شرط أساسي لتحقيق هدف العودة بمحصول جيد، أما الفردية فكانت تعني الخسارة وربما الهلاك، لذا فإنّ الفريق قوة أساسية وراء كل عمل كبير» لينطلق صاحب السموّ بعد هذا المثال الجميل للحديث عن آفاق العمل ضمن روح الفريق داخل مؤسسات الدولة الحديثة، ويلخص جوهر رؤيته لمعايير إعداد الفريق وبناء أفراده بقوله: «يقوم بناء الفريق على أسس عدة أهمها الثقة المتبادلة والالتزام والتعاون الوثيق، والاتصال الجيد، وتحديد الهدف وتقدير أعضاء الفريق وتشجيعهم، وحفزهم وإشراكهم في تحمل المسؤولية» فهذه هي الرؤية الثاقبة لفكرة الفريق وتجسده كحقيقة في واقع الحياة، وعلى هدي هذه الرؤى والتعاليم تم ترسيخ فكرة الفريق في الوعي الإماراتي كأسلوب عمل ونهج حياة تم من خلاله إنجاز ما تم إنجازه في مسيرة الدولة في الخمسين عاماً الماضية حيث كانت فكرة الفريق أيضاً عميقة الحضور والتجذر في فكر الباني المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي أقام الدولة تحت عمق الشعور بقيمة عمل الفريق الواحد لبناء هذا الوطن الطيب الأصيل، يسانده في حمل هذا الهمّ المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وكوكبة من الرجال المخلصين للوطن الذين آثروا وحدة البلاد والعمل كفريق على كل المكاسب، وها هم أصحاب السمو قادة الدولة يواصلون السير على النهج الأصيل الذي قامت عليه الدولة منذ نصف قرن من الزمان في الإدارة والحكم وتحقيق السعادة لأبناء هذا الوطن الذي يستحق كل خير وعطاء.

«طلابه رجاله، وموظفوه قادته» بهذه اللغة المكثفة يحدّد صاحب السمو المكانة الرفيعة لكل مواطن عميق الانتماء لهذا الوطن الأصيل، فرجال الوطن هم جميع من يمشي على ثراه، وإذا كانت فئة الطلاب بحكم سنّها الطري قد لا يخطر على البال أنها من رجال الوطن في مرحلةٍ ما، فإنّ صاحب السموّ يبدّد هذا الظن ويجزم بلغة واثقة بأن هذه الفئة الواعدة هم رجال الوطن الآن وفي المستقبل، ليضع على كواهلهم منذ هذه اللحظة أمانة الحفاظ على الوطن، وليغرس في وجدانهم أنهم في عين القائد، تماماً كما أن كل موظف في أية دائرة هو قائد يتحمل مسؤوليات القيادة وليس مجرّد موظف صغير لا يعنيه سوى قبض راتبه، بل هو شريك في القيادة ومسؤول مسؤولية مباشرة عن الثغرة التي هي موكولة إليه يقوم عليها بحسّ القائد المسؤول وليس بحسّ الموظف الأجير، فبهذه الروح العالية تنهض البلاد بهمة أبنائها حين يسكنهم هذا الشعور الأصيل بعمق الحسّ بالمسؤولية التي تجعل منهم قادة في جميع مواقعهم ومسارات حياتهم.

«هدفه الأساسي صناعة الأمل، وصناعة الحياة، وصناعة المستقبل، وإسعاد الناس» وهذا الفريق ليس عاملاً في الفراغ بل يعمل ضمن أهداف عظيمة واضحة لخصها صاحب السمو في هذه الرباعية من الأهداف النبيلة، فأولها صناعة الأمل الذي هو وقود الحركة في الحياة، فما قيمة الحياة بلا أمل، ومهمة القائد الكبرى هي بثّ روح الأمل في فريق العمل، فصناعة الحياة التي هي الهدف الثاني بحسب عبارة صاحب السموّ مرهونة ببقاء شعلة الأمل متوهجة في النفوس، لندلف منها إلى صناعة المستقبل الذي تميزت به الإمارات عبر مسيرتها الخمسينية الماضية واستحقت بها احترام المجتمع الدولي باعتماد يومها الوطني يوماً لصناعة المستقبل، ليجتمع من ذلك كله هدف هو ألصق الأهداف بالحياة القوية النشيطة وهو تحقيق السعادة للناس، وهو الهدف الذي جعله صاحب السمو سرّ نشأة الحكومات وتشكيلها وبقائها، فكل حكومة لا تحقق السعادة للناس فلا داعي لوجودها، وهو الهدف الذي جعل حكومة الإمارات تنشئُ وزارة للسعادة إيماناً منها بعمق قناعتها بهذا الهدف الذي هو الثمرة الناضجة لجميع السياسات التي تنتهجها الدولة في الإدارة والحكم، فما قيمة الحكم وما جدوى الحكومات إذا كان ثمرة ذلك كله هو الشعور العميق باليأس والضياع المؤكد للروح الإنسانية؟ فسعادة الناس هي الهدف والمعيار، وهي الخيل والمضمار.

Email