حول الانتخابات النيابية المبكرة في العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك سؤال جوهري تشكل الإجابة عنه مفتاحاً للتنبؤ بمخرجات الانتخابات النيابية المبكرة التي أجريت في العاشر من أكتوبر المنصرم في العراق. السؤال هو هل تتمكن الطبقة السياسية المسيطرة على مفاصل الدولة العراقية في المجالس الرئاسية الثلاثة، وفي معظم الأحزاب والكتل السياسية بما تحمله من معتقدات، وبما تدين له من ولاءات، وبما تتبناه من أجندات، وبما كرسته من تقاليد وممارسات على مدى سنين هيمنتها، من إرساء قواعد نظام ديمقراطي يضمن التداول السلمي للسلطة، ويضمن أن تكون العلاقة بين السلطة والمعارضة مستندة إلى الأخذ بهذا المبدأ وبما يعزز السلم الأهلي ويفتح آفاق التطور أمام العلاقات المجتمعية نحو المزيد من اللحمة والترابط؟

لم تأتِ هذه الانتخابات في ظروف عادية وفق السياقات الدستورية، بل جاءت كاستحقاق للملف الدامي الذي فرضته الانتفاضة الجماهيرية التي أطاحت بعادل عبد المهدي وجاءت بمصطفى الكاظمي كمرشح توافقي لإدارة حكومة تصريف أعمال مهمتها الأساسية الإعداد لانتخابات نيابية مبكرة تتسم بالشفافية والنزاهة وتأمين لوجستيات تحقيق ذلك من قوانين وإجراءات إدارية على خلاف ما شهدناه في انتخابات سابقة شابها الكثير من القيل والقال.

لن ندخل بتفاصيل هذا القيل أو ذاك القال، بل نكتفي بالقول بأن هناك مآخذ جدية وخطيرة على الأجواء التي أجريت فيها الانتخابات في أربع جولات سابقة وعلى النتائج التي تمخضت عنها، لأنها في كل مرة ورغم سوء الأوضاع وترديها على جميع الصعد تعيد إنتاج الطبقة السياسية المهيمنة على المشهد السياسي، إن لم يكن بوجوهها كاملة، فبالعديد منها، ولكن بكامل نهجها المتوافق والمتجاهل، إن لم نقل المعادي لحقوق الشعب. وقد تعرضت آخر تلك الانتخابات لأشد الطعون قساوة عبر التعريض بشرعيتها بسبب النسبة المتدنية للمشاركين فيها وتهم التزوير التي طاردتها. فقد أجريت تلك الانتخابات والسلاح بأيدي الميليشيات وفرق الاغتيال تمارس مهامها والمال السياسي في جيوب عرابي الفساد، على الرغم من الرقابة المفروضة محلياً ودولياً لضمان النزاهة والشفافية.

خلت الأجواء في الأوساط الجماهيرية عشية الانتخابات قيد البحث إلى حد كبير من التفاؤل، فالعراقيون قد توزعوا بين محبط ويائس وغاضب ولا مبال، وقد شهدنا تعاظم النزعة نحو مقاطعتها لدى الكثيرين، قناعة منهم بأن البيئة غير مناسبة لإجرائها، وذلك لمجموعة من الأسباب التي لا يمكن التغافل عنها ولا التقليل من شأنها، لأن أجواءها صورة بشكل ما لأجواء الانتخابات السابقة التي عانى العراق الكثير من نتائجها الكارثية.

لست بوارد تكرار ما سبق أن نشرته وسائل الإعلام حول الجهات التي فازت، وتلك التي خسرت، ولست كذلك بصدد مناقشة ردود الأفعال المتفائلة التي رحبت بالنتائج معتبرة إياها نصراً كبيراً ولا الأخرى التي ترى في سجل من حصد الأصوات الأعلى ما يشجع على غير ذلك، وبكلمات أخرى لست بصدد الذهاب إلى التقويم السابق لأوانه لمخرجات الأمور، إلا أنه بغض النظر رغم كل ذلك لا يمكن تجاوز حقيقة أن العراق قد فشل في اللحاق بمصر والسودان وتونس وأخيراً بالمغرب التي ألحقت الهزائم بكيانات الإسلام السياسي وحجمت من دورها إلى حد كبير على مدى السنوات العشر الماضية، سواء بإقصاء مبرر ومدعوم شعبياً أو بهزيمة نكراء في الانتخابات، على الرغم من أن العراق لم يكن أقل تأهيلاً للذهاب نحو ذاك.

لا شك أن القوى الولائية التي تدين بالتبعية لولاية الفقيه بشكل معلن قد لحقت بها هزيمة إلا أنها ليست حاسمة، فهناك خلط في الأوراق بشكل مربك، فالجهات المعارضة التي جاءت تحت مسميات جديدة وبشكل مستقل وحصدت بضع عشرات من الأصوات مجهولة التوجهات وغير موحدة الأهداف وتنقصها الخبرات لولوج معمعات الأتون السياسي العراقي، وهي غير مؤهلة لتغيير معادلات التوازن السياسي المتجذر في الحياة السياسية في العراق، مما يرجح عودة التوافق بين شركاء العملية السياسية ليؤتى في نهاية المطاف لرئاسة الوزراء بمرشح توافقي مشلول اليدين غير قادر إلا على المناورة في حلبة التوافق وإدامة الخطوط العامة للعملية السياسية، وفي هذا إجابة عن التساؤل الذي طرحناه في السطور الأولى من هذه المقالة.

Email