أخبار «إكسبو» وصحتنا النفسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقال إننا جميعاً نعيش تفاصيل الصدمة النفسية الجماعية العالمية الأولى في التاريخ. صدمة العالم النفسية ليست نتاج (كوفيد 19) فقط باعتباره فيروساً عابراً للقارات مخترقاً الحدود والثقافات والأعراق، لكنها ناجمة عن مباغتة واقع جديد للحياة دون سابق إنذار. هذه الصدمة لم تبزغ مع صدمة الإعلان عن وجود فيروس مخيف، فقد كانت الحاجة إلى سرعة التعامل مع الوضع الآني وتدبير أمور المعيشة أكبر من أن تسمح برفاهية التفكير في الصحة النفسية الجريحة.

اليوم وبعد ما يقرب من عامين على اختراق الفيروس تفاصيل حياة كل منا نستيقظ على واقع حاجتنا للبحث عن طريقة أو طرق للتعامل مع صحتنا النفسية الجريحة. كم الكتابات والمناقشات الدائرة رحاها حول الجوانب السياسية والاقتصادية والتعليمية والعلمية والبيئية والمعيشية للفيروس الأممي ضخم، لكن الجانب النفسي يكاد يكون غائباً، إما باعتباره رفاهية لا نملكها، أو بسبب التجاهل المزمن له.

لكن نوعية الأخبار التي نتعرض لها تساهم دون وعي منا أو منها في تغيير صحتنا النفسية والتعامل مع جرحنا النفسي الكبير. حتى الخبراء والاختصاصيين حين يتناولون هذا الجانب، يكون جل التركيز على الاكتئاب والقلق والهلع وسبل التعامل اللحظي معها. أما قلق الكوكب وهلعه مما هو قادم لا سيما أن المجهول يقع في القلب منه، فلا وجود لوصفة سحرية أو روشتة عملية للتعامل معه. المعلومة العلمية المؤكدة هي أن الصدمات النفسية الجماعية أعمق مما نتخيل. لماذا؟ لأنها لا تتوقف عند حدود تجربة سيئة نتعرض لها، أو ضغط نفسي هائل نرزح تحته، أو حادث بشع نعيش تفاصيله.

وهنا تأتي «نوعية الأخبار» لتلعب دور «الجندي المجهول» في التعامل مع جروحنا النفسية. والحقيقة أن «نوعية الأخبار» فيها الكثير من الصالح والطالح، والإيجابي والسلبي. قد لا نختار ما يحدث من حولنا من أحداث وحوادث تجري تغطيتها إعلامياً، لكننا نختار أن نفهم ونعي ونقدر ما يتوافر من أخبار تساعد على التئام الجروح النفسية عبر علاج واقعي ووعد بمستقبل أفضل وهامش مخاطر أضيق.

والحقيقة أن أخبار «إكسبو 2020» فيها توليفة علاجية ووقائية رائعة. وعن تجربة شخصية أقول إن مهمة مطالعة الأخبار يومياً كفيلة بتشكيل جزء لا بأس به من الحالة النفسية. والتوقف عند أخبار بعينها وفهم ما تعنيه فيه شفاء أو مزيد من العلة، كل بحسب أسلوبه وتفكيره. أطالع ما يرد إلينا من «إكسبو 2020 دبي» فأكاد أقرأ كلمات مثل «أمل» و«مستقبل» و«رؤية» و«رجاء» و«حياة» و«ابتكار» وقائمة طويلة من الكلمات التي تجتمع على مبدأ الأمل، وهو أمل مستمد من أفعال لا أقوال.

وحكاية الأمل في «إكسبو 2020 دبي» لا تتوقف عند حدود أجواء الاحتفالات الغنائية الراقصة وما تشيعه من بهجة في لحظتها، لكنها مستمدة من المحتوى. تداخل الثقافات من شتى أرجاء الأرض تداخلاً فيه تناغم لا تنافر، وشراكات قائمة على مبدأ «التفكير المترابط»، وابتكارات تفيد الجميع قابلة للتنفيذ وكل ذلك قائم على مبدأ صنع المستقبل عبر تواصل العقول.

لا مجال في «إكسبو 2020 دبي» لإطلاق العنان للصراعات البشرية الحمقاء أو المنافسات القاتلة التي ترفع شعار «إما أنا أو أنت»، العكس هو الصحيح. والمطروح في «إكسبو 2020 دبي» من أفكار وابتكارات وتنبؤات علمية وتجارب واقعية وتصورات مستقبلية لا يعني إلا «نحن جميعاً ولا خيار غير ذلك».

وتكفي «منطقة الفرص» التي تطل على الزائر بالأمل والحماسة وإكساب الثقة في النفس. منطقة الفرص في إكسبو دبي تخبرنا أن ما نفعله له تأثير مضاعف. ويمكن لشخص واحد أن يكون المفتاح لإتاحة ثمانية مليارات فرصة (مجموع سكان الأرض) يمكنها مساعدة الأفراد والمجتمعات في صنع غدٍ أفضل. حان الوقت لإطلاق العِنان لقدراتك وصنع التغيير.

مجرد الحديث عن الغد وإطلاق العنان للقدرات وإعادة الثقة في القدرة على صناعة التغيير أمور كفيلة بتضميد العديد من الجراح النفسية العميقة، وإكساب العقول والقلوب المنهكة مناعة تقويها وتساندها.

الصدمة النفسية الجماعية في العالم جراء (كوفيد 19) ستستمر، لكن استمراراها لا يعني الاستسلام لفقدان الأمل وتبدده. ولا يعني أيضاً عدم القدرة على الاستشراف واستخراج الفرصة من رحم الأزمة. وهذا ما يبثه لنا كل خبر أو تغطية من «إكسبو 2020 دبي»، هي أخبار أشبه بالوصفات العلاجية، تزرع فينا الأمل دون وعظ أو إرشاد، وليس هناك أفضل من أمل قائم على الفرصة الفعلية التي تلوح في الأفق والتي تأتي مصحوبة بأدواتها التنفيذية كاملة.

جروحنا النفسية الناجمة عن تغير العالم الذي كنا نعيش فيه من ألفه إلى يائه عميقة، لكنها ليست قاتلة. والقدرة على تطويع القدرات وتنمية الإمكانيات وتوفير المنصات لتحويل التحديات إلى خطط عمل والآمال إلى أعمال فيها شفاء، وكون «إكسبو 2020 دبي» ليس مجرد خطة إنقاذ بل تصور حياة يعني حياة.

* كاتبة صحافية مصرية

Email